كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 5)

قليل من شظف العيش، مما جعلهم أو بعبارة أدق جعل منهم عشائر تتعرض أحيانا للحجاج وتنهبهم، وكانت بغداد ثم القاهرة تقاومانهم بصور كثيرة، منها إرسال الحجاج فى قوافل مع حاميات، ومنها أن يعهد البغداديون لعرب البحرين أو لبنى عقيل أو لبنى أسد أن يحموا الحجاج، وكانت القاهرة بدورها تعهد لآل الجراح فى العهد الفاطمى وآل فضل فى العهدين الأيوبى والمملوكى بأن يؤمنوا السبل للحجاج المصريين والإفريقيين.
وكان وراء مكة والمدينة فى الحجاز مدن وقرى كثيرة على شئ من التحضر، نجد ذلك فى الطائف وفى جدة وفى ينبع وفى خيبر وفى وادى القرى، حيث يقيم الناس فى دور شيدوها ويستقرون بها. وهذا الاستقرار أساس التحضر والعمران إذ يتجه الناس إلى عمل يقيمون به أود حياتهم، وكان الزراعة، إذ نجدها فى كل هذه المدن. وطبيعى أن ينشأ فى المدن بجانب الزراع صناع ينهضون بالحرف المختلفة من عمارة ونجارة وحياكة، وكذلك تجار يصدرون بعض ما يفيض عن حاجة مدنهم كالتمر مثلا، ويستوردون بعض ما يحتاجه سكانها من توابل وغير توابل. وتشتهر المدينة بكثرة زروعها، وكانت مصر منذ العصر الفاطمى ترسل إليها وإلى مكة بكميات كبيرة من القمح سنويا واستمر ذلك فى زمن صلاح الدين والأيوبيين ثم فى زمن المماليك. وكان ينزل المدينتين المقدستين كثير من الحجاج والزوار سنويا، فيشيعون فيهما الرخاء، وأهّل ذلك لقيام إمارة كبيرة للحسنيين فى مكة وإمارة أخرى للحسينيين فى المدينة.
وقد وصف القرآن الكريم اليمن بأنها (جنّتان عن يمين وشمال). ومعروف أنه تهبّ عليها الرياح الموسمية صيفا، فتهطل بها أمطار غزيرة تغذى المروج والزروع والأشجار المتكاثفة، ويزرع أهلها فى الأودية والسهول الحنطة والشعير والذّرة والأرز والسمسم، ومن فواكهها العنب والرمان والتفاح والخوخ والموز والليمون والبطّيخ والسفرجل، ومن حيوانها الخيل العربية والبغال والإبل والبقر والغنم والغزلان والقردة. ومن أهم مصادر ثروتها التجارة وما يحمل إليها من إندونيسيا والهند وإفريقية الشرقية والحبشة والصين. وعدن ميناؤها، ويقول القدماء إنه «لم يكن يخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين عليها وبضائع شتى ومتاجر متنوعة، والمقيم بها فى مكاسب وافرة وتجارة مربحة». ومر بنا فى حديثنا عن دول اليمن ذكر أربع مدن، هى زبيد وصنعاء وصعدة وتعزّ، وزبيد بتهامة اليمن فى سهل من الأرض وبها نخيل كثير، وكانت مسوّرة وبها قلعة، وصنعاء فى منطقة الجبال بوسط اليمن، وهى كثيرة الزروع والفواكه، وصعدة فى منطقة جبلية وعرة شمالا، أما تعزّ فحصن فى الجبال جنوبى اليمن مطل على تهامة وأراضى زبيد. وكان الرسوليون يقيمون بها

الصفحة 35