كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 5)

والجهاد». ومن هنا كانوا يحلّون أنفسهم من الفرائض، واتخذوا بيت المقدس قبلتهم.
والقرامطة-بهذا التصوير للبغدادى-كانوا فرقة مارقة من فرق الشيعة الإسماعيلية، وكان من بين دعاة قرمط أبو سعيد الجنّابى أرسل به إلى منطقة البحرين، فاستجابت له هناك قبيلة عبد القيس، مما أتاح له أن يؤسس هناك دولة القرامطة التى ظلت نحو تسعين عاما.
وخلفه ابنه أبو طاهر وكان شريرا كبيرا، وكثيرا ما قطع الطريق على الحجاج ونهبهم، وكثيرا ما أغار على البصرة والكوفة وأحرق مساجدهما وأعمل فيهما السلب والنهب. وفى سنة 317 حدثت الكارثة الكبرى بهجومه الوحشى على الحجاج فى موسم الحج يوم التروية وسفكه لدماء الآلاف منهم ورمى كثير من جثثهم فى بئر زمزم واقتلاعه الحجر الأسود ونقله إلى البحرين على نحو ما مرّ بنا، وهو فى أثناء ذلك ينشد أشعارا كافرة مارقة. ونرى القرامطة فى سنة 358 ينفضون أيديهم من الدعوة الفاطمية الإسماعيلية، ومر بنا كيف أن الأعصم (359 - 366 هـ‍) حارب الفاطميين تحت ألوية الدولة العباسية سنة 360 وظلت دولة القرامطة قائمة بعده-كما مر بنا-حتى سنة 378. وعلى الرغم من انتهاء دولتهم ظلت عقيدتهم منبثة فى البحرين إلى أن قامت الدولة العيونية سنة 466 وقد عنى مؤسسها عبد الله بن على بالقضاء على تلك العقيدة وكان مما قضى عليه عادة سيئة لهم هى عادة الماشوش، إذ كان يجتمع رجالهم ونساؤهم فى الليلة العاشرة من شهر المحرم، ويشعلون الشموع والمصابيح ويغنون ويرقصون، ثم يطفئون الشموع ويختلطون. ويبدو أن عبد الله العيونى لم يستطع استئصال العقيدة القرمطية من نفوس أهل البحرين نهائيا، فقد ظلت منها بقايا بعده، بل يقول فؤاد حمزة فى كتابه «قلب جزيرة العرب»! إنها لا تعدم فى الأحساء-إن صح ما يقول-من يعتنقونها إلى اليوم. وعرفت الدعوة القرمطية فى اليمن، فقد أرسل إليها حمدان قرمط داعيتين من دعاته، هما المنصور بن حوشب وعلى ابن الفضل وكان على من أهل اليمن بينما كان المنصور من أهل الكوفة، ونزلا على حافة اليمن النجدية، غير أن دعوتهما اختلفت، فكان المنصور يدعو للفاطميين قبل تحولهم من إفريقيا إلى مصر منذ العقد الثامن من القرن الثالث الهجرى، وكأنما نفض يده من القرامطة، وانتشرت دعوته فى بعض الجبال وبعض القبائل، ويسميه الفاطميون منصور اليمن، وقد ظل أربعين عاما يدعو لهم، إذ توفى سنة 331 وخلفه ابنه فى الدعوة وشركه فيها بعض اليمنيين إلى أن تزعمها الصليحى، كما سنرى عما قليل. ونفض على بن الفضل يده ولسانه من الدعوة الفاطمية، فلم يدع للفاطميين، بل أخذ يدعو لنفسه، واستطاع الاستيلاء على صنعاء سنة 293 وادّعى أنه من بنى يعرب أو قحطان، كما مرّ بنا،

الصفحة 42