كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 5)

ومذهب شيعى معتدل هو مذهب الزيدية. وكانت موجة الزهد والتصوف حادّة طوال العصر، وتزخر كتب التراجم بأسماء الزهاد والمتصوفة وطرقهم وخاصة طريقتى الجيلانى والرفاعى وما شاع بعدهما من طريقتى النقشبندية والبكطاشية.
وظلت الحركة العلمية فى بغداد ناشطة وكذلك الشأن فى العراق عامة إذ عنى بها البويهيون والسلاجقة، وخاصة وزيرهم نظام الملك مؤسس جامعة النظامية ببغداد، وتتكاثر المدارس، ويؤسس الخليفة المستنصر ببغداد جامعته المستنصرية. وكانت المساجد مدارس كبرى يستمع فيها الناس للعلماء فى كل فن بحيث تصبح الثقافة غذاء شعبيا عاما، مما أحدث رواجا هائلا فى الوراقة ونشر الكتب على نحو ما يصور ذلك ابن النديم فى كتابه «الفهرست». وتظل هناك بقية لحركة الترجمة، وتنشط الحركتان الفلسفية والعلمية حتى لتصبح الفلسفة وما يتصل بها من علوم الأوائل من مدارك العامة، كما تدل على ذلك رسائل إخوان الصفا. وتتكاثر الندوات الفكرية فى بغداد ويتكاثر المتفلسفة، وخاصة قبل الغزو التتارى، وتظل منهم بقية فى الحقب التالية. وتنشط فى العصر الكتابات الفلسفية والطبية والعلمية والجغرافية، كما تنشط البحوث اللغوية وشروح الشعر، وتنفذ بغداد فى النحو إلى مدرسة جديدة هى المدرسة البغدادية. ويتسع النشاط فى الدراسات البلاغية وما يتصل بها من البديعيات، وبالمثل فى الدراسات النقدية وخاصة حول المتنبى وشعره.
ويعنى صفى الدين الحلّى بدراسة الموشحات والأشكال الشعرية المستحدثة والشعر العامى.
وتنشط بغداد والعراق فى دراسات القراءات والتفسير والحديث النبوى والفقه وعلم الكلام، كما تنشط الكتابة فى التاريخ العام والخاص وفى تراجم العلماء من كل صنف.
ويتكاثر الشعراء فى العراق وتتوالى موجاتهم على نحو ما يلقانا فى اليتيمة وتتمتها والدمية والخريدة وما تلاها من كتب التراجم، وينظمون فى الرباعيات والموشحات، ويفسحون فى أشعارهم لصور كثيرة من التعقيدات حتى فى المحسنات البديعية. ويلقانا مع كل دولة بل فى كل مكان شعراء المديح ومن أعلامهم الأفذاذ المتنبى أكبر شعراء العصر، وسبط ابن التعاويذى، وصفى الدين الحلّى. ونلتقى بكثيرين من شعراء المراثى والهجاء والشكوى من أمثال السّرىّ الّرفاء، وابن القطان. ويكثر شعراء الشيعة، وفى مقدمتهم الشريف الرضى، ومهيار، وابن أبى الحديد.
ونلتقى بطوائف كثيرة من الشعراء، وأول من نلتقى بهم شعراء الغزل، وقد أذاعوا فيه حنينا وشوقا وظمأ للقاء محبوباتهم لا ينتهى، مما أعدّ لظهور ضرب من الشعر الوجدانى عند ابن المعلم والحاجرى والتّلعفرىّ. ويتغنّى للطبقة المترفة شعراء اللهو والمجون من أمثال

الصفحة 677