كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 5)

الخبال كما قال الخازن: اضطراب ومرض يؤثر في العقل كالجنون، وفي مجمع البيان أنه الاضطراب في الرأي، والاستثناء مفرغ متصل والمستثنى منه ما علمت ولا يستلزم أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء.
وقال بعضهم: توهما منه لزوم ما ذكر هو مفرغ منقطع والتقدير ما زادوكم قوة وخيرا لكن شرا وخبالا.
واعترض بأن المنقطع لا يكون مفرغا وفيه بحث لأنه مانع منه إذا دلت القرينة عليه كما إذا قيل: ما أنيسك في البادية فقلت: ما لي بها إلا اليعافير أي ما لي بها أنيس إلا ذلك، وأنت تعلم أن في وجود القرينة هاهنا مقالا.
وقال أبو حيان: إنه كان في تلك الغزوة منافقون لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضا واجتمعوا بهم زاد الخبال فلا فساد في ذلك الاستلزام لو ترتب وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ الإيضاع سير الإبل يقال: أوضعت الناقة تضع إذا أسرعت وأوضعتها أنا إذا حملتها على الاسراع، والخلال جمع خلل وهو الفرجة استعمل ظرفا بمعنى بين ومفعول الإيضاع مقدر أي النمائم بقرينة السياق، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبهت النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها وأثبت لها الإيضاع على سبيل التخييل، والمعنى ولسعوا بينكم بالنميمة وإفساد ذات البين.
وقال العلامة الطيبي: فيه استعارة تبعية حيث شبه سرعة افسادهم ذات البين بالنمائم بسرعة سير الراكب ثم استعير لها الإيضاع وهو للإبل والأصل ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم ثم حذف النمائم وأقيم المضاف إليه مقامه فقيل لأوضعوا ركائبهم ثم حذفت الركائب. ومنع الأخفش في كتاب الغايات أن يقال: أوضعت الركائب ووضع البعير بمعنى أسرع وإنما يستعمل ذلك بدون قيد، وجوز ذلك غيره واستدل له بقوله:
فلم أر سعدى بعد يوم لقيتها ... غداة بها أجمالها صاح توضع
وقرىء «ولأرقصوا» من رقصت الناقة إذا أسرعت وأرقصتها ومنه قوله:
يا عام لو قدرت عليك رماحنا ... والراقصات إلى منى فالغبغب
وقرىء «لأوفضوا» والمراد لأسرعوا أيضا يقال: أوفض واستوفض إذا استعجل وأسرع والوفض العجلة، وكتب قوله تعالى: لَأَوْضَعُوا في الامام بألفين الثانية منهما هي فتحة الهمزة والفتحة ترسم لها ألف كما ذكره الداني، وفي الكشاف كانت الفتحة تكتب ألفا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحتها ألفا أخرى ومثل ذلك أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [النمل: 21] يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي يطلبون أن يفتنوكم بايقاع الخلاف فيما بينكم وتهويل أمر العدو عليكم وإلقاء الرعب في قلوبكم وهذا هو المروي عن الضحاك. وعن الحسن أن الفتنة بمعنى الشرك أي يريدون أن تكونوا مشركين، والجملة في موضع الحال من ضمير أوضعوا أي باغين لكم الفتنة، ويجوز أن تكون استئنافا وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي نمامون يسمعون حديثكم لأجل نقله إليهم كما روي عن مجاهد وابن زيد أو فيكم أناس من المسلمين ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم كما روي عن قتادة وابن إسحاق وجماعة، واللام على التفسير الأول للتعليل وعلى الثاني للتقوية كما في قوله تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود: 107، البروج: 16] ، والجملة حال من مفعول يَبْغُونَكُمُ أو من فاعله لاشتمالها على ضميرهما أو مستأنفة.
قال بعض المحققين: ولعل هؤلاء لم يكونوا في كمية العدد وكيفية الفساد بحيث يخل مكانهم فيما بين المؤمنين بأمر الجهاد إخلالا عظيما ولم يكن فساد خروجهم معادلا لمنفعته ولذلك لم تقتض الحكمة عدم خروجهم

الصفحة 303