كتاب المخصص (اسم الجزء: 5)

الوَصْفُ بالجميل على جهةِ التفضيلِ وَقد شَرَطَ قومٌ بِأَن قَالُوا بالجميل عِنْد الواصف لِأَن اليهوديَّ قد يصف إنْسَانا بِأَنَّهُ متمسك باليهودية على جِهَة الْمَدْح بذلك وَهُوَ يجوز أَن يُسْتَعار لَهُ اللفظُ إِذا قيل قد مَدَحَهُ والأصلُ فِي هَذَا أَن يُمَيَّزَ بَين من لَا يسْتَحق الحمدَ وَبَين من يسْتَحقّهُ فَأَما من يكون ممدوحاً مِمَّن لَا يكون ممدوحاً فطريقُه طريقُ الْعِبَادَة وَمَا يجْرِي فِي عَادَة أهل [ ... ] فاليهودي لَا يسْتَحق أَن يُوصف بالجميل على جِهَة التَّفْضِيل فَهُوَ [ ... ] الْحَمد وَالْحَمْد والمدح فِي هَذَا سواءٌ وَالشُّكْر لَا يكون إِلَّا على نعْمَة والحمدُ قد يكون على نعْمَة وعَلى غير نعْمَة كَمَا قد يكون المدحُ فَنحْن نحمد الله على أنعامنا عَلَيْهِ ونحمده على أَفعاله الجميلة من طَرِيق حسنها كَمَا حمدناه من طَرِيق النِّعْمَة بهَا وَإِنَّمَا نحمده جلّ وَعز على جِهَة التَّفْضِيل لأفعاله على كل فِعْلٍ لنا وعَلى التَّعْظِيم لإنعامه علينا وإحسانه إِلَيْنَا وَقد يُقَال الأخلاقُ المحمودةُ فَيجْرِي ذَلِك على جِهَة الِاسْتِعَارَة والتشبيه بِحَمْد من كَانَ مِنْهُ فِعْلٌ حَسَنٌ أَو قَبِيح فقد صَار الحمدُ بِمَنْزِلَة المشتَرك وَإِن كَانَ الأَصْل مَا بدأنا بِهِ من الْمُخْتَص وَقد قَالَ قوم إِن كلا الْأَمريْنِ أصلٌ وَلَو كَانَ كَمَا قَالُوا لجَاز أَن يُحْمَدَ اليهوديُّ على قوَّته وشدَّة بدنه وَإِن صرف ذَلِك إِلَى الْفساد وَمَا هُوَ كفر مِنْهُ وإشراك والحمدُ مصدر لَا يثنى وَلَا يُجْمَعُ تَقول أعجبني حمدُكُمْ زيدا والحمدُ لله خبرٌ وَفِيه معنى الْأَمر كَأَنَّهُ قيل لنا احْمُدُوا الله أَو قُولُوا الحمدُ لله والغَرَضُ من الْحَمد لله الإقرارُ بِمَا يسْتَحقّهُ اللهُ من الْمَدْح وَالثنَاء فَإِن قَالَ قَائِل إِذا كَانَ فِي الْفِعْل دلالةٌ عَلَيْهِ فَمَا الفائدةُ فِيهِ قيل لَهُ الْفَائِدَة فِيهِ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: التنبيهُ كَمَا قد اجْتمع على قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ وَقَوله تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا وَقَوله المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحت لسانِه وَقَول الآخر إيَّاكَ والرَّأْيَ الفَطِير وَقَول الْحسن: اجْعَلِ الدَّنْيا قَنْطَرَةٌ تَعْبُرها وَلَا تَعْمُرها وَقَول الْحجَّاج آمِراً اتَّقِي اللهَ امرُؤٌ حاسَبَ نَفْسَهُ وأَخَذَ بِعَنَانِ عَقْلِهِ فَعَلِمَ مَا يُرَادُ بِهِ وَقَوْلهمْ الفِتْنَةُ يَنْبُوعُ الأَحْزانِ قَالَ أَبُو عَليّ: وَقَول الأَوَّلِ العُمْرُ قَصِير والصِّنَاعَةُ طَوِيلَةٌ والتَّجْرِبَةُ خَطَرُ والقَضَاءُ عَسِيرٌ فكلُّ هَذَا وَإِن كَانَ فِي الْعقل عَلَيْهِ دلَالَة فَفِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ فَائِدَة عَظِيمَة فالحاجة إِلَيْهِ شَدِيدَة فَكَذَلِك كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن مِمَّا فِي العقلِ عَلَيْهِ دلَالَة فَأحَدُ وُجُوهِ الفائدةِ فِيهِ التنبيهُ عليهِ والوَجْهُ الآخَرُ أَن العقلَ وَإِن كَانَ فِيهِ دلَالَة لمن طلبَهَا فقد يَغْلطُ غَالِطٌ فَيَصْدِفُ عَنْهَا كَمَا غَلِطَ عَبَدَةُ الأَوْثَانِ فَقَالُوا اللهُ أَجَّلُ من أَن يُقْصَدَ بالعِبَادَةَ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن نتخذَ وَاسِطَة تَجْعَلُ لنا عِنْده المنزلةَ فعبدوا لذَلِك الأوثانَ وَاتَّخذُوا الأنداد فَكَذَلِك قد يَغْلَطُ غَالطٌ فيقولِ اللهُ أَجَلُّ من أَن يُقْصَدُ بالعبادةِ والثناءِ كَمَا غلط هَؤُلَاءِ فَقَالُوا الله أجل من أَن يُقْصَد بِالْعبَادَة فجَاء السمعُ مؤكداً لما فِي الْعقل وَقد أُجْمِعَ على قِرَاءَة الحمدُ للهِ بِالرَّفْع وَيجوز بِالْعَرَبِيَّةِ الحمدَ للهِ بالنصبِ والفرقُ بَين وَالرَّفْع وَالنّصب أَن النصبَ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن الْمُتَكَلّم أَنه حَامِد كَأَنَّهُ قَالَ أحْمَدُ اللهَ الحمدَ فَأَما الرفعُ فَهُوَ إِخْبَار أَن الحمدَ كُلَّهُ لِلّهِ كَأَنَّهُ لم يُعْتَدَّ بِمَا كَانَ من ذَلِك لغيره على مَا تقدم بياننا لَهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِلَّا أَنه قد تدَاخل ذَلِك على جِهَة التَّوَسُّع فَاسْتعْمل كل وَاحِد على معنى الآخر وحُذَّاقُ أهل النَّحْو يُنكرُونَ مَا جَاءَ بِهِ القُرَّاءُ من الضَّم وَالْكَسْر فِي الحمدُ للهِ والحمدِ لله والكسرُ أبعد الْوَجْهَيْنِ إِذْ كَانَ فِيهِ إبطالُ الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا فسد الضمُّ من قِبَلَ أَنه مَا كَانَ الإتباعُ فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة أُخُوك وأُبُوك ضَعِيفا قَلِيلا كَانَ مَعَ الْكَلِمَة خطأ لَا يجوز البتةَ إِذا كَانَ المنفصلُ لَا يلْزم لزومَ الْمُتَّصِل فَإِذا ضَعُفَ فِي الْمُتَّصِل لم يجز فِي الْمُنْفَصِل إِذْ لَيْسَ بعد الضعْف إِلَّا امتناعُ الْجَوَاز وَمَعَ ذَلِك فَإِن حركةَ الْإِعْرَاب لَا تلْزم فَلَا يكون لإجلها إتباعٌ كَمَا لَا يجوز فِي امْرُؤٌ وابْنُمٌ أَن يضم الألفُ للإتباع وكما لَا يجوز فِي دَلْو الْهمزَة لِأَن ضمةَ الْإِعْرَاب لَا تلْزم وَكَذَلِكَ: {وَلاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [الْبَقَرَة: 237] لَا يهمز لِأَن حَرَكَة التقاء الساكنين لَا تلْزم وكما قَالُوا

الصفحة 232