كتاب المخصص (اسم الجزء: 5)

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
السّفر السَّادِس عشر

وَمِمَّا يكون اسْما فِي بعض الْكَلَام وَصفَة فِي بعضه

(أَفْعَل) أفْعَى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هُوَ فِي الأَصْل صفة جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَة شَدِيد ثمَّ غَلَب غَلَبَة الْأَسْمَاء والذَّكَر أُفْعُوانُ قَالَ ابْن جني: لَام أَفْعَى لَا قاطعَ فِي يائها وَلَيْسَ بقَوْلهمْ فِي تذكيرها أُفْعُوَان دَلِيل على أَن اللَّام وَاو أَلا ترى أَنَّك لَو بنيت مثل أَنْجُذَان من رَمَيْت وقَضَيْت لَقلت أَرْمُوان وأَقْضُوان وَذَلِكَ للضمة قبل اللَّام وَلَكنهُمْ قد قَالُوا لحِدّة السَّم وشِدّته الفَوْعة فَكَأَنَّهُ والأَفْعَى مقلوب أَحدهمَا عَن صَاحبه وَذَلِكَ لخُبْث الأفعى ونكارتها وَلَا يستنكر تصوّر هَذَا الْقلب فَإِن أَبَا عَليّ وَهُوَ القَيَّاس كَانَ يعْتَقد أَن لَام أُثْفِيَّة أَن تكون واواً أقْيَسُ من أَن تكون يَاء قَالَ: لأَنهم قد قَالُوا جَاءَ يَثِفُه إِذا جَاءَ مِن بعدِه قَالَ: فَيَثِفُه من الْوَاو لَا محَالة وَلَا اعْتِبَار بقَوْلهمْ يَئِسَ لقلته قَالَ: فَإِذا كَانَ يَثِفُه من الْوَاو كَانَ أُثْفِيّة من الْوَاو دون الْيَاء أَقيس لِأَنَّك قد وجدت الْوَاو فِي تصرف الْكَلِمَة أَكثر من الْيَاء فَأَما قَوْلهم / يَثْفُوه فَلَا دَلِيل فِيهِ لقَولهم أَيْضا يَثْفِيه فَإِذا جَازَ أَن يعْتَبر أَبُو عَليّ اللَّام بِالْفَاءِ كَانَ اعْتِبَار اللَّام بِالْعينِ لقربها مِنْهَا أَحْرَى بِالصِّحَّةِ فَكَذَلِك أَفْعَى يجوز أَن يسْتَدلّ عَلَيْهَا بالفَوْعة
(إفْعَل) الأشْفَى المِخْصَف الَّذِي يُخَرَز بِهِ وتثنيته إشْفَيَان قَالَ الْفَارِسِي: فَأَما قَوْلهم فِي الْمَرْأَة إشْفَى المِرْفَق فعلى أَنهم توهموا الِاسْم وَصفا وَهَذَا على نَحْو قَوْلهم فلَان أُذُنّ وعَلى نَحْو قَوْلهم فِي النَّاقة نابٌ (أَفْعَلَى) الأَوْتَكَى التَّمْر الشِّهْريز قَالَ:
(فَمَا أَطْعَمُونا الأَوْتَكَى مِنْ سَماحةٍ ... وَلَا مَنَعوا البَرْنِيَّ إِلَّا من اللُّؤْم)

قَالَ الْفَارِسِي: إِنَّمَا كَانَت الأَوْتَكَى أَفْعَلَى دون فَوْعَلَى لِأَن زِيَادَة الْهمزَة أَكثر من زِيَادَة الْوَاو ودَعَوْتُهُم الأَجْفَلَى أَي بجماعتهم بِالْجِيم والحاء وَالْجِيم أَكثر (أَفْعِلَى) كَانَت مني أَصِرَّى أَي عَزِيمة وأطْرِقَا مَوضِع قَالَ الْهُذلِيّ:
(عَلَى أَطْرِقا بِاليات الخِيام ... إلاَّ الثُّمَام وَإِلَّا العِصِي)

ويروي علا أَطْرِقا من العُلُوِّ جمَاعَة الطَّرِيق قَالَ ابْن جني: قَالَ الْأَصْمَعِي قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أطْرِقا بلد نُرَى أَنه سُمِّيَ بقوله أطرِقُ أَي اسْكُتْ كَانَ ثَلَاثَة فِي مَفازة فَقَالَ وَاحِد لصاحبيه أطْرِقا أَي اسكتا فَسُمي بِهِ الْبَلَد وَقَالَ آخَرُونَ: اطْرِقا جمع الطَّرِيق بلغَة هُذَيْل قَالَ: يَنْبَغِي أَن يكون تَفْسِير أبي عَمْرو على أَنه سمى الْموضع بِالْفِعْلِ وَفِيه ضَمِيره لم يُجَرَّد عَنهُ يدل على ذَلِك بَقَاء علم الضَّمِير على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَفِيه الضَّمِير قَالَ: ويؤكد مَا قَالَ أَبُو عَمْرو فِي هَذَا من أَن ثَلَاثَة كانوِا فِي فلاة فَقَالَ أحدهم لصاحبيه أطْرِقا فَسُمي ذَلِك

الصفحة 5