كتاب التيسير في أحاديث التفسير (اسم الجزء: 5)

واتجه كتاب الله بالخطاب إلى المؤمنين الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وملأت عليهم أفئدتهم، وعرفهم أن أرضه الواسعة مفتوحة في وجوههم، ميسرة الأسباب من أجلهم: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (29: 2)، كما أن رحمته الواسعة محيطة بهم من كل جانب، فما عليهم إلا أن يعتزوا بإيمانهم ويتمسكوا بدينهم، ولا يضيقوا ذرعا بكيد الكائدين، ومكر الماكرين، وذلك قوله تعالى هنا: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}. وهذه الآية كما فتحت الباب أمام المؤمنين للتفكير في الخلاص من أذى المشركين، والهجرة من مكة إلى المدينة، على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} (97: 4) فتحت الباب أيضا في وجه المسلمين أجمعين، للسير في أرض الله، والتعرف على صنع الله، والقيام بالدعوة إلى الله، وذلك هو ما قام به المسلمون الأولون، عندما جابوا أكناف الأرض، طولها والعرض، فانشئوا (دار الإسلام)، وآخوا في دين الله بين مختلف السلالات والأقوام.

ونظرا لما تؤدي إليه مسيرة (إيمانية) عالمية كبرى من هذا النوع، وما يمكن أن يتعرض له المؤمنون القائمون بها من متاعب وأخطار، عقب كتاب الله على ذلك بما يطمئن نفوسهم، ويؤكد ثقتهم بالله وبحسن جزائه في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.

الصفحة 15