كتاب التيسير في أحاديث التفسير (اسم الجزء: 5)

في متناول عموم الخلق، لا يختص به فريق دون فريق، لأنه على مرأى ومسمع منهم جميعا، وتروى فيه قراءة أخرى بكسر اللام، وطبقا لهذه القراءة الثانية يكون المعنى: إن الذين يدركون أسرار هذه الآيات ويستخلصون منها النتائج القريبة والبعيدة، الجامعة بين العلم والإيمان، هم الذين بلغوا درجة كافية من العلم، ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}.

وإذا كان اختلاف الألسنة واختلاف الألوان عند دعاة (العنصرية والشعوبية) مصدرا للتمييز بين السلالات البشرية، ومبررا لتصنيفها طبقات عليا وسفلى، فإن كتاب الله أزال عن هذه الظاهرة كل ما تشم منه رائحة التمييز العنصري بين البشر، واعتبر اختلاف الألسنة والألوان في النوع البشري، مع وحدته الأصلية، آية من آيات الله الكبرى، ودليلا من دلائل قدرته وبالغ حكمته.

وانتقل كتاب الله إلى آية أخرى من آيات الله في الأنفس، وهي ظاهرة النوم بعد اليقظة، والسكون بعد الحركة، التي أكرم الله بها الإنسان، ليستطيع مواصلة الكد والسعي بنشاط وفعالية وإتقان، إذ لو لم يمنح الحق سبحانه عباده حق (الراحة اليومية) بعد التعب، لتعطلت طاقات الجسم والعقل عن العمل، ولما استطاع الإنسان القيام بخلافته عن الله في الأرض على أحسن وجه وأنفع أسلوب، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَ آيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي يسمعون القرآن فيصدقونه، والحق فيتبعونه.

الصفحة 31