كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 5)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبَانَ، ثنا أَبِي، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا عَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَرِيعٍ الشَّامِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ: أَبَا فُلَانٍ، لَقَدْ أَرِقْتُ اللَّيْلَةَ تَفَكُّرًا، قَالَ: فِيمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فِي الْقَبْرِ وَسَاكِنِهِ، إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فِي قَبْرِهِ لَاسْتَوْحَشْتَ مِنْ قُرْبِهِ بَعْدَ طُولِ الْأُنْسِ مِنْكَ بِنَاحِيَتِهِ، وَلَرَأَيْتَ بَيْتًا تَجُولُ فِيهِ الْهَوَامُّ، وَيجْرِي فِيهِ الصَّدِيدُ، وَتَخْتَرِقُهُ الدِّيدَانُ، مَعَ تَغَيُّرِ الرِّيحِ، وَبَلَى الْأَكْفَانِ، بَعْدَ حُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَطِيبِ الرِّيحِ، وَنَقَاءِ الثَّوْبِ، ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً، وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا مُزَاحِمُ، وَيْحَكَ أَخْرِجْ هَذَا الرَّجُلَ عَنَّا، فَلَقَدْ نَغَّصَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَيَاةَ مُنْذُ وَلِيَ، فَلَيْتَهُ لَمْ يَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَصُبُّ عَلَى وَجْهِهِ الْمَاءَ وَتَبْكِي حَتَّى أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ، فَرَآهَا تَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا فَاطِمَةُ؟ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأَيْتُ مَصْرَعَكَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَذَكَرْتُ بِهِ مَصْرَعَكَ -[269]- بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لِلْمَوْتِ، وَتَخَلِّيكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَفِرَاقِكَ لَنَا، فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي، فَقَالَ: حَسْبُكِ يَا فَاطِمَةُ، فَلَقَدْ أَبَلَغْتِ، ثُمَّ مَالَ لِيَسْقُطَ فَضَمَّتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: §بِأَبِي أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَكَ بِكَلِّ مَا نَجِدُ لَكَ فِي قُلُوبِنَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ حَتَّى حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ، فَصَبَّتْ عَلَى وَجْهِهِ مَاءً ثُمَّ نَادَتْهُ: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَفَاقَ فَزِعًا "
الصفحة 268