كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 5)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنَ جَابِرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مَرِضِ عُمَرَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ: «§وَأَنَا مُشْفِقٌ مِمَّا وَلِيتُ، لَا أَدْرِي عَلَى مَا أَطَّلِعُ، فَإِنْ يَعْفُ عَنِّي فَهُوَ الْعَفُوُّ الْغَفُورُ، وَإِنْ يُؤَاخِذْنِي بِذَنْبِي فَيَا وَيْحَ نَفْسِي إِلَى مَاذَا تَصِيرُ»
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُرْدَانِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ أَنَّ قِبَلَكَ قَوْمًا مِنَ الْعُمَّالِ قَدِ اخْتَانُوا مَالًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ، وَتَسْتَأْذِنُنِي فِي أَنْ أَبْسُطَ يَدَكَ عَلَيْهِمْ، فَالْعَجَبُ مِنْكَ فِي اسْتِئْمَارِكَ إِيَّايَ فِي عَذَابِ بِشَرٍ، كَأَنِّي جُنَّةٌ لَكَ، وَكَأَنَّ رِضَائِي عَنْكَ يُنْجِيكَ مِنْ سَخَطِ اللهِ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَانْظُرْ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ فَخُذْهُ بِالَّذِي أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَاسْتَحْلِفْهُ وَخَلِّ سَبِيلَهُ، فَلَعَمْرِي §لَأَنْ يَلْقَوُا اللهَ بِخِيَانَاتِهِمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِدِمَائِهِمْ، وَالسَّلَامُ "
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَرِيرِ بْنِ جَبَلَةَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، حَدَّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي رُقِيَّةَ كَاتِبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ فِي الْعَامِ الَّذِي اسْتُخْلِفَ فِيهِ - وَابْنُهُ إِذْ ذَاكَ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ - أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ تَعَاهَدْتُ بِالْوَصِيَّةِ وَالنَّصِيحَةِ بَعْدَ نَفْسِي أَنْتَ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ رَعَى ذَلِكَ وَحَفِظَهُ عَنِّي أَنْتَ، §وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُ الْحَمْدُ قَدِ أَحْسَنَ إِلَيْنَا -[276]- إِحْسَانًا كَثِيرًا بَالِغًا فِي لَطِيفِ أَمْرِنَا وَعَامَّتِهِ، وَعَلَى اللهِ إِتْمَامُ مَا عَبَرَ مِنَ النِّعْمَةِ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ الْعَوْنَ عَلَى شُكْرِهَا، فَاذْكُرْ فَضْلَ اللهِ عَلَى أَبِيكَ وَعَلَيْكَ، ثُمَّ أَعِنْ أَبَاكَ عَلَى مَا قَوِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْهُ عَجْزًا عَنِ الْعَمَلِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، فَرَاعِ نَفْسَكَ وَشَبَابَكَ وَصِحَّتَكَ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُكْثِرَ تَحْرِيكَ لِسَانَكَ بِذِكْرِ اللهِ حَمْدًا وَتَسْبِيحًا وَتَهْلِيلًا فَافْعَلْ، فَإِنَّ أَحْسَنَ مَا وَصَلْتَ بِهِ حَدِيثًا حَسَنًا حَمْدُ اللهِ وَذِكْرُهُ، وَإِنَّ أَحْسَنَ مَا قَطَعْتَ بِهِ حَدِيثًا سَيِّئًا حَمْدُ اللهِ وَذِكْرُهُ، وَلَا تُفْتَنَنَّ فِيمَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكَ فِيمَا عَسَيْتَ أَنْ تُقَرِّظَ بِهِ أَبَاكَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ، إِنَّ أَبَاكَ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ إِخْوَتِهِ عِنْدَ أَبِيهِ، يُفَضِّلُ عَلَيْهِ الْكَبِيرَ، وَيُدْنِي دُونَهُ الصَّغِيرَ، وَإِنْ كَانَ اللهُ وَلَهُ الْحَمْدُ قَدْ رَزَقَنِي مِنْ وَالِدِي حَسَبًا جَمِيلًا كُنْتُ بِهِ رَاضِيًا، أَرَى أَفْضَلَ الَّذِي يُبِرُّهُ وَلَدُهُ عَلَيَّ حَقًّا، حَتَّى وُلِدْتَ وَوُلِدَ طَائِفَةٌ مِنْ أَخَواتِكَ، وَلَا أَخْرُجُ بِكُمْ مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي أَنَا فِيهِ، فَمَنْ كَانَ رَاغِبًا فِي الْجَنَّةِ وَهَارِبًا مِنَ النَّارِ فَالْآنَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالتَّوْبَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالذَّنْبُ مَغْفُورٌ قَبْلَ نَفَادِ الْأَجَلِ، وَانْقِضَاءِ الْعَمَلِ، وَفَرَاغٍ مِنَ اللهِ لِلثَّقَلَيْنِ لِيُدِينَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ فِي مَوْطِنٍ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الْفِدْيَةُ، وَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْمَعْذِرَةُ، تُبْرَزُ فِيهِ الْخَفِيَّاتِ، وَتُبْطَلُ فِيهِ الشَّفَاعَاتِ، يَرِدُهُ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيصْدُرُونَ فِيهِ أَشْتَاتًا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَطُوبَى يَوْمَئِذٍ لِمَنْ أَطَاعَ اللهَ، وَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِمَنْ عَصَى اللهَ، فَإِنِ ابْتَلَاكَ اللهُ بِغِنًى فَاقْتَصِدْ فِي غِنَاكَ، وَضَعْ لِلَّهِ نَفْسَكَ، وَأَدِّ إِلَى اللهِ فَرَائِضَ حَقِّهِ فِي مَالِكَ، وَقُلْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] الْآيَةُ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْخَرَ بِقَوْلِكَ، وَأَنْ تُعْجَبَ بِنَفْسِكَ، أَوْ يُخَيَّلَ إِلَيْكَ أَنَّ مَا رُزِقْتَهُ لِكَرَامَةٍ بِكَ عَلَى رَبِّكَ، وَفَضِيلَةٍ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْزَقْ مِثْلَ غِنَاكَ، فَإِذَا أَنْتَ أَخْطَأْتَ بَابَ الشُّكْرِ، وَنَزَلْتَ مَنَازِلَ أَهْلِ الْفَقْرِ، وَكُنْتَ مِمَّنْ طَغَى لِلْغِنَى، وَتَعَجَّلَ طَيِّبَاتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَإِنِّي لَأَعِظُكَ بِهَذَا، وَإِنِّي لَكَثِيرُ الْإِسْرَافِ عَلَى نَفْسِي، غَيْرُ مُحْكِمٍ لَكَثِيرٍ مِنَ أَمْرِي، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْءَ لَمْ يَعِظْ أَخَاهُ حَتَّى يَحْكُمَ نَفْسَهُ، وَيَكْمُلَ فِي الَّذِي خُلِقَ لَهُ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، إِذًا تَوَاكَلَ النَّاسُ الْخَيْرَ، وَإِذًا يُرْفَعُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاسْتُحِلَّتِ الْمَحَارِمُ، وَقَلَّ الْوَاعِظُونَ -[277]- وَالسَّاعُونَ لِلَّهِ بِالنَّصِيحَةِ فِي الْأَرْضِ، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
الصفحة 275