كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 5)

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ - وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجِيرٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ: مِنْ عَبْدِ اللهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: «فَإِنَّ اللهَ ابْتَلَانِي بِمَا ابْتَلَانِي بِهِ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةٍ مِنِّي فِيهَا، وَلَا طَلِبَةٍ مِنِّي لَهَا، إِلَّا قَضَاءَ الرَّحْمَنِ وَقَدَرِهِ، فَأُسْأَلُ الَّذِي ابْتَلَانِي مِنَ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَا ابْتَلَانِي أَنْ يُعِينَنِي عَلَى مَا وَلَّانِي، وَأَنْ يَرْزُقَنِي مِنْهُمُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَحُسْنَ مُؤَازَرَةٍ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنِّي الرَّأْفَةَ وَالْمَعْدَلَةَ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَابْعَثْ إِلَيَّ بِكُتُبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسِيرَتِهِ وَقَضَايَاهُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَأَهْلِ الْعَهْدِ، فَإِنِّي مُتَّبِعٌ أَثَرَ عُمَرَ وَسِيرَتَهُ، إِنْ أَعَانَنِي اللهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالسَّلَامُ» فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: §فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الدُّنْيَا لَمَّا أَرَادَ، وَجَعَلَ لَهَا مُدَّةً قَصِيرَةً كَأنَّ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا الْفِنَاءَ، فَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]، لَا يَقْدِرُ مِنْهَا أَهْلُهَا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُفَارِقَهُمْ وَيُفَارِقُونَهَا، أَنْزَلَ بِذَلِكَ كِتَابَهُ، وَأَنْزَلَ بِذَلِكَ رُسُلَهُ، وَقَدَّمَ فِيهِ بِالْوَعِيدِ، وَضَرَبَ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَوَصَلَ بِهِ الْقَوْلَ، وَشَرَعَ فِيهِ دِينَهُ، وَأَحَلَّ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَقَصَّ فَأَحْسَنَ الْقَصَصَ، وَجَعَلَ دِينَهُ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَجَعَلَهُ دِينًا وَاحِدًا، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كُتُبِهِ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ رُسُلُهُ، وَلَمْ يَشْقَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنَ أَمْرِهِ سَعِدَ بِهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يَسْعَدْ أَحَدٌ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ شَقِيَ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ يَا عُمَرُ لَمْ تَعْدُ أَنْ تَكُونَ إِنْسَانًا مِنْ بَنِي آدَمَ، يَكْفِيكَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ مَا يَكْفِي رَجُلًا مِنْهُمْ، فَاجْعَلْ فَضْلَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الرَّبِّ الَّذِي تُوَجِّهُ إِلَيْهِ شُكْرَ النَّعَمِ، فَإِنَّكَ قَدْ وَلِيتَ أَمْرًا عَظِيمًا لَيْسَ يَلِيهِ عَلَيْكَ أَحَدٌ دُونَ اللهِ، قَدْ أَفْضَى -[285]- فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْخَلَائِقِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَغْنَمَ نَفْسَكَ وَأَهْلَكَ فَافْعَلْ وَإِنْ لَا تَخْسَرْ نَفْسَكَ وَأَهْلَكَ فَافْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَكَ رِجَالٌ عَمِلُوا بِمَا عَمِلُوا، وَأَمَاتُوا مَا أَمَاتُوا مِنَ الْحَقِّ، وَأَحْيَوْا مَا أَحْيَوْا مِنَ الْبَاطِلِ، حَتَّى وُلِدَ فِيهِ رِجَالٌ وَنَشَأُوا فِيهِ، وَظَنُّوا أَنَّهَا السُّنَّةُ، وَلَمْ يَسُدُّوا عَلَى الْعِبَادِ بَابَ رَخَاءٍ إِلَّا فُتِحَ عَلَيْهِمْ بَابُ بَلَاءٍ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَفْتَحَ عَلَيْهِمُ أَبْوَابَ الرَّخَاءِ فَإِنَّكَ لَا تَفْتَحُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَابًا إِلَّا سُدَّ بِهِ عَنْكَ بَابُ بَلَاءٍ، وَلَا يَمْنَعْكَ مِنْ نَزْعِ عَامِلٍ أَنْ تَقُولَ: لَا أَجِدُ مَنْ يَكْفِينِي عَمَلُهُ، فَإِنَّكَ إِذَا كُنْتَ تُنْزِعُ لِلَّهِ، وَتُعْمِلُ لِلَّهِ، أَتَاحَ اللهُ لَكَ رِجَالًا وِكَالًا بِأَعْوَانِ اللهِ، وَإِنَّمَا الْعَوْنُ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، فَإِذَا تَمَّتْ نِيَّةُ الْعَبْدِ تَمَّ عَوْنُ اللهِ لَهُ، وَمَنْ قَصُرَتْ نِيَّتُهِ قَصُرَ مِنَ اللهِ الْعَوْنُ لَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَأْتِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَتْبَعُكَ أَحَدٌ بِظُلْمٍ، وَيَجِيءُ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَهُمْ غَابِطُونَ لَكَ بِقِلَّةِ أَتْبَاعِكَ، وَأَنْتَ غَيْرُ غَابِطٍ لَهُمْ بِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِمْ فَافْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ عَايَنُوا وَعَالَجُوا نَزْعَ الْمَوْتِ الَّذِي كَانُوا مِنْهُ يَفِرُّونَ، وَانْشَقَّتْ بُطُونُهُمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا لَا يَشْبَعُونَ، وَانْفَقَأَتْ أَعْيُنُهُمُ الَّتِي كَانَتْ لَا تَنْقَضِي لَذَّاتُهَا، وَانْدَقَّتْ رِقَابُهُمْ فِي التُّرَابِ غَيْرَ مُوَسَّدِينَ، بَعْدَ مَا تَعْلَمُ مِنْ تَظَاهُرِ الْفُرُشِ وَالْمَرَافِقِ، فَصَارُوا جِيَفًا تَحْتَ بُطُونِ الْأَرْضِ، تَحْتَ آكَامِهَا، لَوْ كَانُوا إِلَى جَنْبِ مِسْكِينٍ تَأَذَّى بِرِيحِهِمْ بَعْدَ إِنْفَاقِ مَا لَا يُحْصَى عَلَيْهِمْ مِنَ الطِّيبِ كَانَ إِسْرَافًا وَبِدَارًا عَنِ الْحَقِّ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَا أَعْظَمَ يَا عُمَرُ وَأَفْظَعَ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَأَهْلَ الْعِرَاقِ فَلْيكُونُوا مِنْ صَدْرِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا فَقْرَ بِكَ إِلَيْهِ، وَلَا غِنًى بِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُمْ قَدْ وَلِيَتْهُمْ عُمَّالٌ ظُلْمَةٌ، قَسَمُوا الْمَالَ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، فَإِنَّهُ مَنْ تَبْعَثُ مِنْ عُمَّالِكَ كِلْهُمُ أَنْ يَأْخُذُوا بِجَبِيَّةٍ، وَأَنْ يَعْمَلُوا بِعَصَبِيَّةٍ، وَأَنْ يَتَجَبَّرُوا فِي عَمَلِهِمْ، وَأَنْ يَحْتَكِرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَيْعًا، وَأَنْ يَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، اللهَ اللهَ يَا عُمَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّكَ تُوشِكُ إِنِ اجْتَرَأْتَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُؤْتَى بِكَ صَغِيرًا ذَلِيلًا، وَإِنْ أَنْتَ اتَّقَيتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ وَجَدْتَ رَاحَتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ وَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، ثُمَّ إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْكَ بِكِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسِيرَتِهِ وَقَضَائِهِ فِي -[286]- الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْعَهْدِ، وَأَنَّ عُمَرَ عَمِلَ فِي غَيْرِ زَمَانِكَ، وَإِنِّي أَرْجُو إِنْ عَمِلْتَ بِمِثْلِ مَا عَمِلَ عُمَرُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلَ مَنْزِلَةً مِنْ عُمَرَ، وَقُلْ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ رَوَاهُ عِدَّةٌ، مِنْهُمْ: إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِبَعْضِ رَسَائِلِ عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا عُمَرُ اذْكُرِ الْمُلُوكَ الَّذِينَ قَدِ انْفَقَأَتْ عُيُونُهُمْ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَرَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ ابْتَلَانِي فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ، عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَالِمٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ كَرِاوَيَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنَاهُ الْقَاضِي أَبُوأَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، بِهِ

الصفحة 284