كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 5)

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ، ثَنَا عَفَّانُ، ثنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: أَوَّلُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ، عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمَ اسْتُخْلِفَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «§يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَاللهِ مَا سَأَلْتُ اللهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ قَطُّ، فَمَنْ كَرِهَ مِنْكُمْ فَأَمْرُهُ إِلَيْهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَبَايعَهُ وَبَايعَهُ النَّاسُ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ أَبِي حَازِمٍ الْخَنَاصِرِيُّ الْأَسَدِيُّ قَالَ: قَدِمْتُ دِمَشْقَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّاسُ رَائِحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: إِنْ أَنَا صِرْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أُرِيدُ نُزُولَهُ فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ، وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَنَخْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ عَقَلْتُهُ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْأَعْوَادِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَلَمَّا أَنْ بَصُرَ بِي عَرَفَنِي، فَنَادَانِي: يَا أَبَا حَازِمٍ إِلَيَّ مُقْبِلًا، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ النَّاسُ نِدَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِي أَوْسَعُوا لِي، فَدَنَوْتُ مِنَ الْمِحْرَابِ، فَلَمَّا أَنْ نَزَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ، مَتَى قَدِمْتَ بَلَدَنَا؟ قُلْتُ: السَّاعَةَ، وَبَعِيرِي مَعْقُولٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: أَنْتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: تَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ عِنْدَنَا بِالْأَمْسِ بِالْخُنَاصِرَةِ أَمِيرًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَكَانَ وَجْهُكَ وَضِيًّا، وَثَوْبُكَ نَقِيًّا، وَمَرْكَبُكَ وَطِيًّا، وَطَعَامُكَ شَهِيًّا، وَحَرَسُكَ شَدِيدًا، فَمَا الَّذِي غَيَّرَ بِكَ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ لِي: يَا أَبَا حَازِمٍ، أُنَاشِدُكَ اللهَ إِلَّا حَدَّثَتْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثْتَنِي بِخُنَاصِرَةَ، قُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، سَمِعْتُ -[300]- أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةٌ كَئُودًا، لَا يَجُوزُهَا إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهْزُولٍ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بُكَاءً عَالِيًا، حَتَّى عَلَا نَحِيبُهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ، أَفَتَلُومُنِي أَنْ أُضْمِرَ نَفْسِي لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ، لَعَلِّي أَنْ أَنْجُوَ مِنْهَا، وَمَا أَظُنُّنِي مِنْهَا بِنَاجٍ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَأُغْمِيَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَبَكَى بُكَاءً عَالِيًا، حَتَّى عَلَا نَحِيبُهُ، ثُمَّ ضَحِكَ ضَحِكًا عَالِيًا حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ الْقَوْلَ، فَقُلْتُ: اسْكُتُوا وَكُفُّوا، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِيَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ فَبَدَرَتِ النَّاسُ إِلَى كَلَامِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ عَجَبًا؟ قَالَ: وَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُ فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي بَيْنَمَا أَنا أُحَدِّثُكُمْ إِذْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَحَشَرَ اللهُ الْخَلَائِقَ، وَكَانُوا عِشْرِينَ وَمِائَةَ صَفٍّ، أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا، وَسَائِرُ الْأُمَمِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ أَرْبَعُونَ صَفًّا، إِذْ وُضِعَ الْكُرْسِيُّ، وَنُصِبَ الْمِيزَانُ، وَنُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ، ثُمَّ نَادَى الْمُنَادِي: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَإِذَا شَيْخٌ طُوَالٌ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَأَخَذَتِ الْمَلَائِكَةُ بِضَبْعَيْهِ فَأَوْقَفُوهُ أَمَامَ اللهِ، فَحُوسِبَ حِسَابًا يَسِيرًا، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ نَادَى الْمُنَادِي: أَيْنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَإِذَا شَيْخٌ طُوَالٌ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ فَجَثَى، فَأَخَذَتِ الْمَلَائِكَةُ بِضَبْعَيْهِ فَأَوْقَفُوهُ أَمَامَ اللهِ فَحُوسِبَ حِسَابًا يَسِيرًا، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ؟ فَإِذَا بِشَيْخٍ طُوَالٌ يُصَفِّرُ لِحْيتَهُ، فَأَخَذَتِ الْمَلَائِكَةُ بِضَبْعَيْهِ فَأَوْقَفُوهُ أَمَامَ اللهِ فَحُوسِبَ حِسَابًا يَسِيرًا، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَإِذَا بِشَيْخٍ طُوَالٌ أَبْيضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَظِيمُ الْبَطْنِ، دَقِيقُ السَّاقَيْنِ، فَأَخَذَتِ الْمَلَائِكَةُ بِضَبْعَيْهِ فَأَوْقَفُوهُ أَمَامَ اللهِ، فَحُوسِبَ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ أُمِرَ بِهِ ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ قَدْ قَرُبَ مِنِّي اشْتَغَلْتُ بِنَفْسِي، فَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ اللهُ بِمَنْ كَانَ بَعْدَ عَلِيٍّ، إِذْ نَادَى الْمُنَادِي: أَيْنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقُمْتُ فَوَقَعْتُ عَلَى وَجْهِي، ثُمَّ قُمْتُ فَوَقَعْتُ عَلَى وَجْهِي -[301]-، ثُمَّ قُمْتُ فَوَقَعْتُ عَلَى وَجْهِي، فَأَتَانِي مَلَكَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَوْقَفَانِي أَمَامَ اللهِ تَعَالَى، فَسَأَلَنِي عَنِ النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ وَالْفَتِيلِ، وَعَنْ كُلِّ قَضِيَّةٍ قَضَيْتُ بِهَا، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي لَسْتُ بِنَاجٍ، ثُمَّ إِنَّ رَبِّي تَفَضَّلَ عَلَيَّ وَتَدَارَكَنِي مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَأَمَرَ بِي ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَبَيْنَا أَنا مَارٌّ مَعَ الْمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ بِي إِذْ مَرَرْتُ بِجِيفَةٍ مُلْقَاةٍ عَلَى رَمَادٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْجِيفَةُ؟ قَالُوا: ادْنُ مِنْهُ وَسَلْهُ يُخْبِرْكَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَوَكَزْتُهُ بِرِجْلِي وَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ لِي: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ وَبِأَصْحَابِكَ؟ قُلْتُ: أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَأُمِرَ بِهِمْ ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ لَا أَدْرِي مَا فَعَلَ اللهُ بِمَنْ كَانَ بَعْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قُلْتُ: تَفَضَّلَ عَلَيَّ رَبِّي وَتَدَارَكَنِي مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَقَدْ أَمَرَ بِي ذَاتَ الْيمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: أَنَا كَمَا صِرْتُ، ثَلَاثًا، قُلْتُ: أَنْتَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، قُلْتُ لَهُ: حَجَّاجٌ، أُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَبٍّ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي بَطْشَةٍ مُنْتَقِمٍ مِمَّنْ عَصَاهُ، قَتَلَنِي بِكُلِّ قِتْلَةٍ قَتَلْتُ بِهَا مِثْلَهَا، ثُمَّ هَا أَنَا ذَا مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي أَنْتَظِرُ مَا يَنْتَظِرُ الْمُوَحِّدُونَ مِنْ رَبِّهِمْ، إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَأَعْطَيْتُ اللهَ عَهْدًا بَعْدَ رُؤْيَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لَا أُوجِبَ لِأَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَارًا رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِرَاسَةَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ أَبِي حَازِمٍ مُخْتَصَرًا وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَجَازَةً أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَا السَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِرَاسَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخُنَاصِرَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ عَرَفَنِي وَلَمْ أَعْرِفْهُ، فَقَالَ لِي: ادْنُ يَا أَبَا حَازِمٍ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَلَمْ تَكُنْ عِنْدَنَا بِالْأَمْسِ بِالْمَدِينَةِ أَمِيرًا لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَانَ مَرْكَبُكَ وَطِيًّا، وَثَوْبُكَ نَقِيًّا؟ وَوَجْهُكَ بَهِيًّا؟ وَطَعَامُكَ شَهِيًّا، وَقَصْرُكَ مَشِيدًا، وَحَدِيثُكَ كَثِيرًا، فَمَا الَّذِي غَيَّرَ مَا بِكَ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثْتَنِيهِ بِالْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ -[302]- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةً كَئُودًا، لَا يَجُوزُهَا إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهْزُولٍ» فَبَكَى طَوِيلًا

الصفحة 299