كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 5)

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، ثنا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ، رَجُلًا عَلَى عَمَلٍ فَأَبَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " §عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَفْعَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَتَعْصِينِي؟» فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} الْآيَةُ , أَفَمَعْصِيَةً كَانَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ؟ فَأَعْفَاهُ عُمَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، ثنا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيٍّ: «أَمَّا بَعْدُ §فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَسْأَلُنِي عَنْ شَكَاتِي، وَإِنِّي لَأَرَاهَا مِنْ مَرَّةٍ أَصَابَتْنِي، وَإِلَى أَجْلٍ مَا أَنَا وَالسَّلَامُ»
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ اللَّيْثِ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ رِسَالَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ §فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ قَبَضَهُ اللهُ عَلَى أَحْسَنِ أَحْيَانِهِ وَأَحْوَالِهِ يَرْحَمُهُ اللهُ، فَاسْتَخْلَفَنِي وَبَايَعَ لِي مَنْ قِبَلَهُ، وَلِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِي، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَنَا فِيهِ لِاتِّخَاذِ أَزْوَاجٍ، وَاعْتِقَادِ أَمْوَالٍ، كَانَ اللهُ قَدْ بَلَغَ بِي أَحْسَنَ مَا بَلَغَ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنِّي أَخَافُ حِسَابًا شَدِيدًا، وَمُسَاءَلَةً لَطِيفَةً، إِلَّا مَا أَعَانَ اللهُ عَلَيْهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ»
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَانَ -[313]- عِنْدَهُ هِشَامُ بْنُ مَصَادٍ، فَكَانَا يَتَحَدَّثَانِ فَذَكَرَ شَيْئًا فَبَكَى، فَأَتَاهُ مَوْلَاهُ مُزَاحِمٌ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ بِالْبَابِ، فَقَالَ: أَدْخِلْهُ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَمْسَحْ عَيْنَيْهِ مِنَ الدُّمُوعِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أَبْكَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ مَصَادٍ: أَبْكَاهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا الدُّنْيَا سُوقٌ مِنَ الْأَسْوَاقِ، مِنْهَا خَرَجَ النَّاسُ بِمَا نَفَعَهُمْ، وَمِنْهَا خَرَجُوا بِمَا ضَرَّهُمْ، فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ قَدْ غَرَّهُمْ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَصْبَحْنَا فِيهِ حَتَّى أَتَاهُمُ الْمَوْتُ فَاسْتَوْعَبَهُمْ فَخَرَجُوا مِنْهَا مَلُومِينَ لَمْ يَأْخُذُوا لِمَا أَحَبُّوا مِنَ الْآخِرَةِ عُدَّةً، وَلَا لِمَا كَرِهُوا جُنَّةً، وَاقْتَسَمَ مَا جَمَعُوا مَنْ لَا يَحْمَدُهُمْ، وَصَارُوا إِلَى مَنْ لَا يَعْذُرُهُمْ، فَنَحْنُ مَحْقُوقُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ الَّتِي نَغْبِطُهُمْ بِهَا، فَنَخْلَفَهُمْ فِيهَا، وَنَنْظُرَ إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ الَّتِي نَتَخَوَّفُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، فَنَكُفَّ عَنْهَا، فَاتَّقِ اللهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ مِنَ اثْنَتَيْنِ: انْظُرِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى رَبِّكَ فَقَدِّمْهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَانْظُرِ الْأَمْرَ الَّذِي تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى رَبِّكَ فَابْتَغِ بِهِ الْبَدَلَ حَيْثُ يُوجَدُ الْبَدَلُ، وَلَا تَذْهَبَنَّ إِلَى سِلْعَةٍ قَدْ بَارَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ تَرْجُو أَنْ تَجُوزَ عَنْكَ، فَاتَّقِ اللهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَافْتَحِ الْأَبْوَابَ، وَسَهِّلِ الْحِجَابَ، وَانْصُرِ الْمَظْلُومَ، وَرُدَّ الظَّالِمَ، §ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ بِاللهِ: مَنْ إِذَا رِضَيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي الْبَاطِلِ، وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنَ الْحَقِّ، وَإِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَيْسَ لَهُ "

الصفحة 312