كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

وهي أربعة، ثلاثة فرد، وواحد زوجي وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب.
وقال مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمر بن شعيب: هي شهور العهد، وقيل لها الحرم لأن الله حرّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم إلا سبيل الخير فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ في الحلّ والحرم، وجدتموهم فأسروهم وَاحْصُرُوهُمْ وامنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أي على كل طريق ومرقب، يقال:
رصدت فلانا أرصده رصدا إذا رقبته. قال عامر بن الطفيل.
ولقد علمت وما إخالك ناسيا ... أن في المنيّة للفتى بالمرصد «1»
فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ يقول: دعوهم في أمصارهم، ودعوهم يدخلوا مكة إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [........] «2» في حكم هذه الآية.
قال الحسين بن الفضل: فنسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء، وقال الضحاك والسدّي وعطاء: قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) منسوخة بقوله:
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً «3» وقال قتادة: بل هي ناسخة لقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً.
والصحيح أنّ حكم هذه الآية ثابت، وأنها غير منسوخة إحداهما بصاحبتها لأنّ المنّ، والقتل، والفداء لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهم من أول حاربهم وهو يوم بدر، ويدلّ عليه قوله تعالى: وَخُذُوهُمْ والأخذ هو الأسر، والأسر إنّما يكون للقتل أو الفداء، والدليل عليه أيضا
قول عطاء قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلّم بأسير يقال له أبو أمامة وهو سيد اليمامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم:
«يا أبا أمامة أيّها أحب إليك: أعتقك أو أفاديك أو أقتلك أو تسلم؟» [3] . فقال: أن تعتق تعتق عظيما، وأن تفاد عظيما، وإن تقتل تقتل عظيما، وأما أن أسلم فلا والله لا أسلم أبدا.
قال فأني أعتقتك. فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسوله.
وكانت مادّة ميرة مكة من قبل اليمامة فقال لأهل مكة: والذي لا إله إلا هو لا تأتيكم ميرة أبدا، ولا حبّة من قبل اليمامة حتى تؤمنوا بالله ورسوله فأضرّ إلى أهل مكة فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم أيّهم له حزب يشكون ذلك إليه، فكتب إلى أبي أمامة: لا تقطع عنهم ميرة كانت من قبلك، ففعل ذلك أبو أمامة.
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي: 8/ 73.
(2) كلام غير مقروء.
(3) سورة محمّد: 4.

الصفحة 12