كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 5)

ولا يُغتر بكثرة من يَفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقد قدمنا في "كتاب الجنائز" عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: اتّبعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فاسدة بل في بعض صوره ما يقتضي الكفر ولا يشكل على ما تقرر من تحريم السجود فيما ذكر قوله تعالى حكايته عن إخوة يوسف: {خَرُّوا سُجَّدًا} له، لأن ذلك شرع من قبلنا وليس هو بشرع لنا ما لم يرد في شرعنا تقريره والله أعلم. قوله: (ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما) من خصال الفضل والفلاح (فإن الاقتداء) أي بالأفعال الصادرة من فاعلها (إنما يكون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وكذا بوارثيه المتقيدين بالاتباع في سائر الأحوال الذين لم يغلب عليهم الحال فإن ذا الحال كما لا ينكر عليه شأنه لا يقتدي به إنما يقتدي بالوارثين من أرباب
الكمال المشرفين بمقام الاتباع والحائزين لمقام الوارثة. قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أي ما أعطاكم الرسول فخذوه والآية وإن كانت في الفيء والغنيمة إلا أن ما يوميء إليه من تلقي ما جاء به الرسول بالقبول والانتهاء عما نهى عنه عام باق على عمومه ولذا ذكرها الشيخ في هذا المقام الذي فيه الوقوف عند حدود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون غيرها والكلام في فعل الغير إذا لم يكن له أصل من الشرع وإلا ولو بالقياس الصحيح فيكون من جملة الشرع المأمور بسلوكه ففي حديث عائشة مرفوعاً من أحدث من ديننا هذا ما ليس منه فهو رد عليه. قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة قال أبو حيان وظاهر الأمر الوجوب فلذا جعل في مخالفته إصابة الفتنة أو العذاب الأليم وأقول: الأولى: إبقاء الأمر على عمومه فإن من تعمد مخالفة السنن يؤول به ذلك إلى الفتنة بترك الفرائض ويؤول به ذلك إلى العذاب الأليم والله أعلم.
قوله: (وقد قدمنا في كتاب الجنائز الخ) وقد عقدت معنى ما قاله هذا الولي الكبير في قولي:

الصفحة 402