كتاب تفسير الماوردي = النكت والعيون (اسم الجزء: 5)

الثاني: لمن كانت له حياة ونفس مميزة , فعبر عن النفس الحية بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها. كما قال امرؤ القيس:
(أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل)
{أوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ألقى السمع فيما غاب عنه بالأخبار , وهو شهيد فيما عاينه بالحضور. الثاني: معناه سمع ما أنزل الله من الكتب وهو شهيد بصحته. الثالث: سمع ما أنذر به من ثواب وعقاب , وهو شهيد على نفسه بما عمل من طاعة أو معصية. وفي الآية ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها في جميع أهل الكتب , قاله قتادة. الثاني: أنها في اليهود والنصارى خاصة , قاله الحسن. الثالث: أنها في أهل القرآن خاصة , قاله محمد بن كعب وأبو صالح. قوله عز وجل: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} واللغوب التعب والنصب. قال الراجز:
(إذا رقى الحادي المطي اللغبا ... وانتعل الظل فصار جوربا)
قال قتادة والكلبي: نزلت هذه الآية في يهود المدينة , زعموا أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد , وآخرها يوم الجمعة , واستراح في يوم السبت , ولذلك جعلوه يوم راحة , فأكذبهم الله في ذلك. قوله عز وجل: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم , أمر فيه بالصبر على ما يقوله المشركون , إما من تكذيب أو وعيد. {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الآية. وهذا وإن كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم , فهو عام له ولأمته. وفي هذا التسبيح وجهان: أحدهما: أنه تسبيحه بالقول تنزيهاً قبل طلوع الشمس وقبل الغروب , قاله أبو الأحوص.

الصفحة 356