كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 5)

في ذلك؟ أو أن السلطات الفرنسية التي كانت تحتل أيضا تونس وتمهد لاحتلال المغرب هي التي جعلته يلغي زيارته للمغرب (¬1).
ولكن الشيخ عبده قد حقق هدفه في رأي رشيد رضا، من زيارة الجزائر وهو (إرشاد المسلمين) إلى حقيقة دينهم والطريقة المثلى لإحيائه وإحياء لغته، مع البعد عن السياسة. فقد اجتمع الشيخ عبده، كما ذكرنا، بعدد من العلماء والمعجبين بالحركة الإصلاحية التي يمثلها. وذكر منهم رشيد رضا اثنين وهما محمد بن الخوجة وعبد الحليم بن سماية. وكانا من المعجبين بالمنار، وقد طلبا من الشيخ عبده مع غيرهما، أن يوصي صاحب المنار بأن لا يتعرض في مجلته بسوء للدولة الفرنسية حتى لا تمنع المجلة من دخول الجزائر، وهي في نظرهم (مدد الحياة لنا فإذا انقطع انقطعت الحياة عنا). وهذا الكلام قد يكون موعزا به من السلطات الفرنسية لأنها هي المستفيدة من سكوت (المنار) عن فظائعها في الجزائر. وعن طريق المنار كان في الجزائر وتونس (حزب عبدوي) دون أن يكون الشيخ عبده نفسه عالما بذلك، وقد أكده أحد كتاب جريدة (لوطان) الفرنسية.
هذا عن الهدف المعلن من جانب الشيخين عبده ورضا من الزيارة. ولكن ما رأي الفرنسيين في ذلك؟ لماذا سمحوا له بزيارة الجزائر والالتقاء بعلمائها وإلقاء درس عام أو محاضرة كما نقول اليوم؟ رغم أننا لم نقرأ بعد
¬__________
(¬1) قال آجرون ان الشيخ عبده كان يخطط لزيارة المغرب سنة 1905، ولكن المرض أودى به، وكان اللورد كرومر قد أخبر بول كامبون بالداء الخبيث الذي كان يعاني منه الشيخ عبده والذي توفى به في 27 يوليو 1905. انظر آجرون 2/ 917. وبول كامبون هو المقيم العام الفرنسي عندئذ في تونس، وهو أخ جول كامبون الذي سبق له أن حكم الجزائر. وعن علاقة الشيخ عبده بالمغرب نذكر أن الوزير محمد الجباس (الغباس) الذي رأس وفد المغرب وحضر إلى الجزائر سنة 1903 لم يتمكن من لقاء الشيخ محمد عبده فيها. ويبدو أن الوزير غادر ورجع إلى بلاده، فسمع، وهو في مدينة وجدة، بوجود الشيخ عبده بالجزائر، فدخلها لعله يصادفه فوجده قد غادرها إلى تونس. ولكن الذي التقى بالشيخ في الجزائر فعلا هو نجل الوزير الجباس، انظر مجلة (المنار) عدد 3 مارس 1904، ص 927.

الصفحة 587