كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 5)

عن ذلك في الوثائق الفرنسية فانه يبدو لنا أن الحكومة الفرنسية كانت على الأقل تريد تحقيق أمرين من زيارة الشيخ عبده للجزائر، الأول دولي والثاني محلي. أما الكسب الدولي فهو أنها كانت تخشى حركة الجامعة الإسلامية بقيادة السلطان عبد الحميد. وقد فتح علماؤها ملف هذه الحركة وأخذوا يدرسونه ورقة ورقة ويكتبون عنه التقارير والمؤلفات، ويضعون أمام الحكومة الفرنسية عدة بدائل. كما أن فرنسا كانت تريد الاستفادة من اسم ونفوذ الشيخ عبده في العالم الإسلامي على حساب بريطانيا.
أما الكسب المحلي فإن الاتجاه الجديد للسياسة الفرنسية في الجزائر والذي ظهر منذ التسعينات من القرن الماضي هو تحقيق الاندماج عن طريق توسيع التعليم الفرنسي وتكوين نخبة مرتبطة بالثقافة الفرنسية لتحل محل الطرق الصوفية و (الإسلام الجزائري) الذي عبر عنه أدمون دوتيه بأنه إسلام الدروشة والسحر وتوريث البركات. وكان ترويج المنار أولا ثم ترويج أفكار الشيخ عبده ثانيا وحضوره الشخصي، كل ذلك يخدم الاتجاه الفرنسي الجديد ضد الزوايا والمرابطين. ولعله من الملفت للنظر أن الشيخ علي بن عبد الرحمن مفتي وهران وأحد أعضاء الطريقة التجانية لم يحضر درس الشيخ عبده وأعلن أنه كان مريضا. وكثيرا ما كان لوسياني (الذي على يديه رتبت زيارة الشيخ عبده) (ينصح) (أي يأمر) هذا الموظف أو ذاك بكيت وكيت حتى يجعله يتفادى الإحراج. وقد فعل ذلك مع الشيخ محمد السعيد بن زكري يوم مناقشة فرض التجنيد على الجزائريين، فقد نصحه لوسياني بالسفر. ولا نستبعد أن يكون مرض الشيخ ابن عبد الرحمن بإيعاز من لوسياني أيضا (¬1).
¬__________
(¬1) يذهب آجرون، 2/ 916 - 917 إلى أن محمد بن أبي شنب ومحمد السعيد بن زكري ومحمد بن الخوجة (الكمال) ربما لم يلتقوا بالشيخ عبده، بينما قال رشيد بن شنب ان والده قد سجل في زمامه بعض أخبار الشيخ عبده. فهل حضر شخصيا أو استقاها ممن حضروا؟. كما ذهب آجرون إلى أن الأمير خالد قد دعي ولم يحضر. ونحن نستغرب عدم حضور شخص مثل محمد بن الخوجة. ولعل آجرون غير متأكد من معلوماته.

الصفحة 588