كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 5)

ومهما كان الأمر فان الشيخ رشيد رضا لخص الأفكار التي بها الشيخ عبده في الجزائريين فيما يلي: الحرص على تحصيل العلوم الدينية والدنيوية، والحث على العمل وعمران البلاد، كما نصحهم بمسالمة الحكومة (الفرنسية) وترك الاشتغال بالسياسة لكي تساعدهم هذه الحكومة على تحقيق الغرضين السابقين وهما تحصيل العلوم وتوفير شروط الكسب والعمران. وقد شرح الشيخ رشيد رضا معنى ترك الاشتغال بالسياسة بأنه لا يعني عدم مخاطبة الحكومة في المظالم التي تضر بهم كالقوانين الجائرة والمعاملات التعسفية. وكأني به يريد أن يقول ان السياسة هي التحزب والمضادة للحكومة والتآمر ضدها وعصيان أوامرها والثورة عليها. وقد كتب الكتاب وفسر المفسرون هذا الرأي دون طائل. ونظن أن المسألة عند الشيخ عبده كانت مسألة أولوية: هل الأولى للمسلمين أن يتسيسوا ويعملوا على التغيير بطرق مباشرة كالعصيان والثورة، أو الأولى لهم أن يدرسوا ويكونوا وينافسوا الفرنسيين في العلوم الدنيوية ما دام هؤلاء قد سمحوا بها؟ ولعل جوهر الموضوع هو ما العمل إذا كانت العلوم المسموح بها لا تكفي أو لا تحقق المطمح السياسي بل تعارضه أحيانا؟ وقد أجاب الشيخ رشيد رضا صراحة على ذلك في قوله: فإذا لم تكشف الحكومة ظلامتهم، بعد الالتجاء إليها في كشفها، فانهم يكونون معذورين في سخطهم عليها وتربصهم بها الدوائر كالعصيان.
ويبدو لنا أن الشيخ رشيد رضا قد توقع أكثر مما كان ممكنا من حكومة فرنسا عندئذ. ولكن سياسة شارل جونا على ما فيها من ظلم وتعسف، قد أغرت الجزائريين والمسلمين عامة، وفيهم رشيد رضا والشيخ عبده نفسه، ان هناك سياسة جديدة لفرنسا في الجزائر. يقول رشيد رضا ان فرنسا كانت (تبحث دائما عن طريقة يطمئن بها أهل الجزائر لحكومتهم وتطمئن هي لرضاهم عنها). وهذا قول فيه تفاؤل كبير أو فلنقل مجاملة مكشوفة. لأن فرنسا كانت لا تسأل عن رضى الجزائريين ولا تأخذهم في الاعتبار، وكانت سياستها نحوهم تقوم على القمع والإرهاب في كل قانون الأهالي المعروف. ولعل مجيء الحاكم العام جونار هو الذي جعل الأهالي والشيخ عبده وتلميذه الوفي رشيد رضا

الصفحة 589