كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 5)

ويجاب عنه بما تقدم أن ذلك خارج عن محل النهي فبطل الاحتجاج بالحديث، وأما حديث "لا تتخذوا قبري عيدًا" (¬1) فقال الحافظ المنذري يحتمل أن يكون حثًّا على كثرة الزيارة وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد، ويؤيده قوله "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا" أي لا تتركوا الصلاة فيها. قال السبكي: ويحتمل أن يكون المراد لا تتخذوا له (أ) وقتًا مخصوصًا لا تكون الزيارة إلا فيه أو لا تتخذوه كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للهو وغيره كما يُفعل في الأعياد بل لا يُؤتى إلا للزيارة، والدعاء والصلاة والسلام، ثم ينصرف عنه، ويدل على التأويل أن ابن الحسن لم يرد منع الزيارة ما رواه القاضي إسماعيل عن سهل بن أبي سهيل قال: جئت أسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن بن حسن يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك واقفًا قلت: وقفت أسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دخلت فسلم عليه ... وذكر الحديث.
وفي رواية للقاضي إسماعيل أن رجلًا كان يأتي كل غداة فيزور قبر
¬__________
(أ) سقط من ي: (له).
__________
= فإذا من اعتقد أن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع. وإذا سافر سافر لاعتقاد أن ذلك طاعة كان ذلك محرمًا بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة. ومعلوم أن أحد لا يسافر إليها إلا لذلك.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث. بل هي موضوعة لم يرد أحد من أهل السنة المعتمدة شيئًا فيها ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها.
الفتاوى 27: 185 - 186.
(¬1) فضل الصلاة للقاضي ح 30، مصنف ابن أبي شيبة 2: 375، أحمد 2/ 367.

الصفحة 418