كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 5)

للإبل كالركاب للفرس، أي: يمسك بأمره ولا يخالفه كما يتمسك المرء بركاب الفرس. (فعملت لذلك) أي: لتوقفي في الامتثال ابتداءً (أعمالًا) أي: من المجئ والذهاب والسؤال والجواب ولم يكن هذا من عمر شكًّا، بل طلبًا لكشف ما خفى عليه وحثًّا على إذلال الكفار، كما عرف من قوته في نصرة الدين، وأما جواب أبي بكر - رضي الله عنه - بمثل جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الدلائل الباهرة على عظيم فضله ورسوخه، وشدة إطلاعه على معاني أمور الدين.
وفيه: أن للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين، وإن لم يظهر ذلك لبعضهم في بادئ الرأي، وفيه احتمال المفسدة اليسيرة، لدفع أعظم منها، وإنما وافقهم في ترك كتابة الرحمن ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ورده الجائي مسلمًا للمصلحة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور.
وفيه: تقليد الهدى، وإقامة الرئيس الرجال على رأسه في مواضع الخوف. (ما قام رجل منهم) ليسس ذلك؛ لمخالفة أمره بل لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكورة ليتم لهم قضاء نسكهم أو لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور فلما رأوه جازمًا، وفعل النحر والحلق علموا أنه ليس وراء ذلك غاية تنتظر فبادروا إلى الائتمار بقوله، الاتساء بفعله كما ذكره بعد (حتى فعل ذلك) أي: ما قالته له أم سلمة وفسر قوله: (فعل ذلك) بقوله (نحر بدنه) بضم الموحدة جمع بدنة، وفي نسخة: "نحر هديه ودعا خالقه" هو خراش -بكسر المعجمة- بن أمية بن الفضل الخزاعي. (عما) أي: ازدحامًا.

الصفحة 534