كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 5)

يشتريها منه ما لم يعلم أن ذلك الغير ملكه من صاحب اليد، أو أذن صاحب اليد بالبيع؛ كذا ههنا، وإن لم يعلم هو أن الجارية ملك الغير، ولم يخبر صاحب اليد بذلك؛ لا بأس بأن يشتري من ذي اليد وإن كان ذو اليد فاسقاً.
فرق بين هذا وبينما إذا علم أن ما في يده كان لغيره؛ لا يسعه أن يشتري منه ما لم يعلم أن ذلك الغير ملكها من صاحب اليد، وأذن له ببيعها.

والفرق: أن المريد للشراء إذا علم أن الجارية كانت لغير ذي اليد، فإنما يباح له المعاملة مع ذي اليد إذا ثبت الانتقال إلى ذي اليد وتثبت الوكالة، أو لم يثبت ذلك بقول صاحب اليد إذا كان فاسقاً؛ لأن خبر الفاسق محتمل للصدق والكذب، ولم يثبت ذلك أيضاً بظاهر يده؛ لأن يده محتملة بين أن تكون يد ملك أو يد وكالة، وبين أن تكون يد غصب، فلا تثبت يد ملكه، ولا يد وكالته بالاحتمال، وإذا لم يثبت الانتقال ولا الوكالة لم تثبت إباحة المعاملة.
فأما إذا لم يعلم المريد للشراء كون الجارية ملك الغير لا بالمعاينة، ولا بإقرار ذي اليد يمكن تجويز هذه المعاملة مع ذي اليد بناءاً على أولية الملك لذي اليد في هذا العين بإثبات يده عليه؛ لأن الانتقال إلى ذي اليد، أو الوكالة من جهة الغير إن تعذر إثباته إذا لم يعلم كون الجارية ملكاً للغير؛ أمكن إثبات أولية الملك له؛ لأن الملك يثبت للفاسق من الابتداء في العين بإثبات اليد علىه كما ثبت للعدل، واستوى فيه العدل والفاسق.

قال: إلا أن يكون مثله لا يملك ذلك الشيء في الغالب، وذلك كدرة نفيسة في يد فقير لا يملك قوت يومه؛ يعلم بدلالة الحال أن مثله لا يملك ذلك، وككتاب في يد جاهل لم يكن في آبائه من هو أهل لذلك، فحينئذٍ يستحب له أن يتنزه، ولا يتعرض له بشراء، ولا قبول هدية ولا صدقة؛ لأنه ثبت كون ما في يده لغيره بدلالة الحال، ولو ثبت كون ما في يده لغيره بالعيان، أو بإخبار صاحب اليد يكره الشراء ما لم يثبت الانتقال أو الوكالة، فإذا ثبت ذلك بدلالة الحال إن لم تثبت الكراهية؛ لأن دلالة الحال دون ذلك وجب التنزه.
وإن كان الذي أتاه بذلك امرأة حرة؛ كان الجواب فيها كالجواب في الرجل؛ لأن قول الرجل إنما صار حجة في المعاملات للضرورة، والضرورة متحققة في حق المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى المعاملة كالرجل، فصار قولها حجة كقول الرجل.
وإن كان الذي أتى به عبداً أو أمة، فليس ينبغي أن يشتري منه شيئاً، وكذلك لا ينبغي أن يقبل منه هبة، ولا صدقة حتى يسأله عن ذلك؛ لأنه علم يقيناً أن ما في يده ملك غيره، فكان بمنزلة ما لو كان المال في يد حر علم أنه كان لغيره، وهناك كان الجواب على نحو ما ذكرنا.
فإن سأله عن ذلك، فأخبر العبد أن مولاه أذن له في بيعه وهبته وصدقته فإن كان العبد ثقة؛ لا بأس بأن يشتري ذلك منه؛ لأن قول العبد في المعاملات إذا كان العبد ثقة كقول المرأة قوله حجة؛ لأن للناس ضرورة في المعاملات مع العبيد، فإن الإذن في

الصفحة 294