كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 5)

كل ما يحمل الخراب والدمار. وما نراه اليوم من أعاصير وعواصف كإعصار ميتش وغيره يوضح لنا جنديا من جنود اللّه تعالى إذا ما سلط على قوم فإنه سيهلكهم ويدمر بناءهم وعمرانهم ويجعل خسائرهم هائلة في الأرواح والممتلكات. وقد روى لنا القرآن الكريم قصص أقوام عديدين أهلكوا بالريح الشديدة والأعاصير والعواصف المدمرة كما هو الحال في قوم عاد الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية سخرت عليهم ثمانية أيام بلياليها بلا هوادة حتى جعلتهم شراذم هلكى حيث شبههم القرآن الكريم ب أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7)، (الحاقة: 7) .. يقول صاحب الظلال في تفسير هذه الآية المباركة ما نصه: الريح الصرصر الشديدة الباردة .. وزاد شدتها بوصفها عاتية لتناسب عتو عاد وجبروتها المحكي في القرآن. وقد كانوا يسكنون الأحقاف جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت وكانوا أشرارا بطاشين جبارين. هذه الريح الصرصر العاتية سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً، والحسوم القاطعة المستمرة في القطع والتعبير يرسمه مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة: سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أَيَّامٍ، ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7)، فترى .. فالمنظر معروض تراه، والتعبير يلج به على الحسن حتى يتجلاه!، صَرْعى، مصدومين مجدولين متناثرين كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ، بأصولها وجذوعها فارغة تآكلت أجوافها. فارتمت ساقطة على الأرض هامدة «1». والآيات الأخرى كثيرة حول عقوبات مشابهة لأقوام آخرين. ونذكر في هذا الصدد ريح يوم الأحزاب التي شردت جيوش الأحزاب الذين اجتمعوا على النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وحاصروا المدينة المنورة والتي سميت بموقعة الأحزاب أو موقعة الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة بأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم، إذ قال اللّه تعالى في هذا الأمر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)، (الأحزاب: 9). وفي موضوع ريح قوم عاد وعقوبتها آيات عديدات منها قول اللّه تعالى في سورة (القمر) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
______________________________
(1) تفسير الظلال، سيد قطب، ج/ 6، ص 3678.

الصفحة 17