كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
مُبَشِّرِينَ لهُمْ بالحريق، لو ترى ذلك الوقت لرأيت أمراً فظيعًا شنيعاً يَجِبُ الحذرُ منه، وجواب (لو) حَذْفُهُ إذا دَلَّ المَقَامُ عليه أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْروفٌ يكثر في القرآن العظيم وفي لسان العرب (¬1)، ومنه في القرآن العظيم: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)} [التكاثر: الآية 5] أي: لو تعلمون علم اليقين لما ألهاكم التَّكَاثُر حتى زُرْتم المقابر، ونظيره من كَلاَمِ العَرَبِ في حذف جواب (لو) قول الشاعر (¬2):
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ ... سِواكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعا
أي: لو شيء سواك لرددناه.
وقال جل وعلا: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: الآية 31] ولم يذكر جواب (لو) وقال بعض العلماء: جوابه: لو أن قرآناً سُيرت به الجبال لكان هذا القرآن على حد قوله (¬3):
وَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ
وقال بعض العلماء: جواب (لو) المحذوف في آية الرعد {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} لو سيرنا الجبال بالقرآن وقطعنا به الأرض لكفرتم بالرحمن. ويدل على هذا التقدير الأخير قوله قبله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي} [الرعد: الآية 30]. وهذا معنى قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (109) من سورة الأنعام، وما سيأتي عند تفسير الآية (59) من سورة التوبة.
(¬2) البيت لامرئ القيس وهو في ديوانه ص100.
(¬3) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (109) من سورة الأنعام.