كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)

{حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} يعني: ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من خير إلى شر. ودل هذا الجواب على أنه أيضاً بأن ينتقلوا من سيئ إلى أسوأ منه وأفظع كما ذكرنا، وهذا معنى قوله: {حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
{وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} عطف على ما قبله بأنه لم يك مغيراً، وبأنه سميع عليم لا يخفى عليه شيء من أقوال المغيرين المستوجِبِينَ لتَغْيِير النعمة، ولا من أفعالهم.
وقد قدمنا مراراً (¬1) أن مثل هذا هو الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، وأوْضَحْنَاهُ مراراً كثيرة. وهذا معنى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: الآية 53].
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54)} [الأنفال: الآية 54] هذا كالتوكيد لما قبله، كرره ليبين بعض ما أجمله هناك، فبين في هذه الآية الأخيرة أن مِنْ كفرهم المذكور في قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ} بَيَّنَ أنَّ مِنْهُ التكذيب بآيات الله، وبين أنه عاقبهم وأغرق منهم آل فرعون.
ومعنى قوله: كدأبهم {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} فرعون: تطلق على كل مَنْ مَلَك مِصْرَ. والمراد بهذه: فرعون موسى.
واختلف العلماء في لفظة (فرعون) هل هو عربي أو أعجمي (¬2)؟ فقال بعضهم: أعجمي. وقال بعضهم: هو عربي مُشْتَقّ مِنْ (تَفَرْعَن) الرجل إذا كان ذا دهاء ومكر، فكل من كان ذا دهاء
¬_________
(¬1) راجع ما تقدم عند تفسير الآية (59) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.

الصفحة 124