كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
وبعض العلماء يقول: يجب قسم الأرض المغنومة كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم أرْضَ خَيْبَرَ وأرض بني قريظة.
وجماعة من العلماء قالوا: الإمام مُخَيَّرٌ في ذلك، إنْ رَأَى المصلحة في قَسْمِها قَسَمَها، وإن رأى المصلحة في إِبْقَائِهَا وَقْفاً للمسلمين تَرَكَهَا وَقْفاً للمسلمين، فإذا اقْتَضَى نَظَر الإمام أن يقسمها قَسَمَهَا وكانت مملوكة لِلْغَانِمِينَ، وكانت أرض عشورٍ لا أرض خراج، وإن رأى الإمام أن يتركها لِعَامَّةِ المسْلِمين خزانة لهم -كما هو رَأْيُ عُمَرَ بن الخطاب (رضي الله عنه) - تركها وقفاً للمسلمين، وكانت أرض خراج لا أرْضَ عُشُورٍ، يؤخذ الخراج ممن هو يستغلها ويكون لِعُمُومِ المسلمين. وهذا المذهب بالتخيير هو الحق -إن شاء الله- والنبي صلى الله عليه وسلم اخْتَارَ أنْ يقسم أرض قريظة وأرض خيبر، واختار أن يترك قسمة دور مكة. وقد فهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرض التي غَنَمَهَا المسْلِمُونَ واحتلوا بلادها بالقوة أن الإمام مُخَيَّر فيها، فَهِمَ ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولِذَا ثَبَتَ عنه في الصحيح أنه قال: «لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ» (¬1). وعمر لم يفعل هذا الصنيع متهجِّماً على كتاب الله في قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم ... } الآية [الأنفال: الآية 41].
وإنما فهم من فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم التخيير في ذلك، وكلامه صريح في أنه يعتقد أنّّهُ مخَيَّرٌ؛ لأنه قال: «لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ» وهذا فيه مصلحة عظمى؛
¬_________
(¬1) البخاري في فرض الخمس، باب الغنيمة لمن شهد الوقعة، حديث رقم: (3125) (6/ 224).