كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)

لأن الغانمين لو قسموا الأرض عندما غنموها فإن آخر المسلمين يكونون لا غلة لهم، ويكون الإسلام وجيوش الإسلام والأموال التي يحتاج إليها لحماية بيضة الإسلام وقمع الكفار وإقامة الجهاد يكون ذلك لا يوجد له شيء، فوجود تلك الأرضين الكثيرة لها خراج كثير عظيم يستعين به المسلمون على شراء السلاح، وتهيئة الجيوش، وتعبئة الرجال للقتال في سبيل الله (جل وعلا)، أن هذا هو المصلحة؛ ولأجل تخيير الإمام لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم بعض خيبر ولم يقسم بعضها، قال بعض العلماء: البعض من خيبر الذي لم يقسمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترك قسمه لهذا الاختيار؛ لأنه مخير في القسم والإبقاء. والصحيح أن الذي لم يقسمه من أرض خيبر كان فيئاً؛ لأن بعض البساتين وبعض الأطراف من خيبر كانوا لم يُفتحوا ولم يؤخذوا عنوة ولم يُوجف عليهم بالخيل والركاب، فلما أُخذت قريظة نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يُؤخذوا بالقهر فكان فيئاً، وسمع بهم أهل فدك ففعلوا كذلك، فكانت فدك فيئاً للنبي صلى الله عليه وسلم، هي وذلك البعض من قريظة. ومعلوم أن فدك وبعض قريظة كانا من الفيء الخالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طلبته فاطمة (رضي الله عنها) أن يقطعها فدك فأبى، وأقطعها أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) لمروان بن الحكم ظنّاً منه (رضي الله عنه وأرضاه) أن مَا كَانَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ينتقل الحق فيه لولي أمر المسلمين بعده، وأن ذلك انتقل إليه، وأنه غَنِيٌّ عَنْهُ بأمْوَالِهِ فَوصل به بعض قُرَبَائه، وهو ابن عمه مروان بن الحكم رضي الله عن عثمان وأرضاه وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (¬1).
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 412).

الصفحة 24