كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
وحاصل هذا أن التحقيق الذي لا شك فيه -إن شاء الله- أن الأموال المغنومة التي انْتَزَعَها المسلمون من الكُفَّارِ أنّهَا نوعان: الأرض، وغير الأرض. أما الأرض فلا يَتَعَيَّنُ قَسْمها بينهم، والإمام مُخَيَّرٌ فيها، فإن رأى مَصْلَحَة المسلمين في قَسْمِها قَسَمَها، وإن رأى مصلحة المسلمين في إبقائها وقْفاً علَيْهِمْ أبْقَاهَا وَقْفاً ينتفع بها آخر المسلمين. قال بعض العلماء: والقرآن يشير لهذا؛ لأنه لو لم يكن يقول يبقى لآخر المسلمين شيئاً لما قال الله في المستحقين: {وَالَّذِينَ جَاءُُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [الحشر: الآية 10] لأنه قال أولاً: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} [الحشر: الآيات 8 - 10] وقال بعض العلماء: لا دَلِيلَ لِلْغَنِيمَةِ فِي آية الحشر هذه؛ لأنها في الفَيْء، قد أفتى مالك بن أنس (رحمه الله) أن الذين يسبون أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا حق لهم في فَيْءِ المسلمين، ولما نُوقِشَ في ذلك قال: هؤلاء الذين سَبُّوا أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا حَقَّ لهُمْ فِي فَيْءِ المسلمين؛ لأن الله لما ذكر الذين يُعْطَوْن فيء المسلمين من الأصناف قال: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ} أهَؤُلاَءِ من الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم؟ قالوا: لا. قال: أهم من الذين قيل فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} قالوا: لا.
قال: وأنا أشهد أنهم ليسوا من الصنف الثالث الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} بل هؤلاء جاءوا يسبونهم ويعيبونهم فليسوا منهم قطعاً فتبين