كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
وهذا الذي ذكرنا يدل على أن الجُيُوشَ إذا خرجت للقتال في بلاد الكفر، وذهبت سرية وغنمت شيئاً، أن الجيش كله شركاء لهم في ذلك الذي غَنِمُوهُ، ولا يختص به دونهم، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأن العلماء مجْمِعُونَ عَلَى أن جميع الجيش معهم فيما غنموا إلا ما نفلهم الإمام من ربع في البدءة أو ثلث في العودة.
ومن أنواع التَّنْفِيلِ الجَائِزَة للإمام الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن يُرْسِلَ الإمام سرية ثم -مثلاً- يعطيهم أنْصِبَاءهم من الغنيمة وينفلهم ما شاء، فقد ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عن ابن عمر (رضي الله عنه) أنه أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فغنموا، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً، اثني عشر بعيراً، ونُفِّلوا بعيراً بعيراً (¬1)، فنفلهم نصف السدس؛ لأن الواحد من الاثْنَيْ عَشَر نصف سدسها. وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أنواع التَّنْفِيل التي تجوز للإمام: أن ينفل بعض الجيش المقاتلين، ويعطيه شيئاً خاصّاً لقوته وشدته على المشركين (¬2)، وقد قدمنا حديث سعد بن أبي وقاص الدال على هذا في أول سورة الأنفال؛ لأن سعد بن أبي وقاص قُتل أخوه عمير بن أبي وقاص يوم بدر، قتله عمرو بن عبد ود العامري، ثم إن سعداً (رضي الله عنه)
¬_________
(¬1) البخاري في فرض الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، حديث رقم: (3134) (6/ 237)، وأخرجه في موضع آخر برقم: (4338).
ومسلم في الجهاد والسير، باب الأنفال، حديث رقم: (1749) (3/ 1368).
(¬2) انظر: الأضواء (2/ 386).