كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
رضي الله عنه وأرضاه.
قال بعض العلماء: من قتل قتيلاً له سلبه مطلقاً.
وقال بعضهم: لا يكون له سلبه إلا بتنفيذ الإمام. وتوسط قوم فقالوا مذهباً ثالثاً، قالوا: إن كان السلب قليلاً استحقه دون تنفيذ الإمام، وإن كان كثيراً توقف على تنفيذ الإمام، واستدلوا لهذا بما جاء في رواية صحيحة في السنن وغيرها أن مددياً من حمير كان مع خالد بن الوليد يقاتل يوم مؤتة، وإذا رجل عظيم من الروم يقتل المسلمين، فجلس له المددي الحميري وراء صخرة حتى مضى عليه فعقر به فرسه وعلاه بالسيف فقتله وأخذ سلاحه. وكان سلاحه كله مذهّباً، وكان ثميناً جدّاً، فلما جاء خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أرسل إليه وأخذه منه، وسمعها عوف بن مالك (رضي الله عنه) فقال لخالد: لأعرفنكها عند رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما جاء قصّ الخبر على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَا لَكَ لاَ تُعْطِيهِ سَلَبَهُ؟ أَعْطِهِ سَلَبَهُ». ثم لما قال ذلك قال له عوف بن مالك: يا خالد، أما قلت لك: إني مُعَرِّفكَها عند رَسُول الله؟ فسمعها صلى الله عليه وسلم فأغضبته وقال: «أَلاَ تَتْرُكُونَ لِي أَصْحَابِي؟ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِد» (¬1). قالوا: هذا يدل على أنه إن كان كثيراً لا يعطي؛ لأنه لما سأل خالداً قال: «لِمَ لا تعطيه؟» قال: استكثرته يا رَسُول الله؛ لأنه مالٌ كثيرٌ جدّاً؛ لأن سلاح الرجل فيه ذَهَبٌ كَثِيرٌ وسِلاَحُهُ كله مذهّب.
¬_________
(¬1) مسلم، كتاب الجهاد، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، حديث رقم: (1753) (3/ 1373).