كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)

واعلموا أن الوقت الذي يستحق فيه الغانم نصيبه من المغنم اختلف فيه العلماء (¬1): فقال بعض العلماء: إذا أخذوا في الدرب، والدروب هي: الطرق الموصلة إلى بلاد الكفار من العَجَمِ ونحْوِهِمْ إذا أخذوا فيها فَكُلّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَهُ نَصِيبُهُ من الغنيمة، ولو مات قبل أن تُحاز الغنيمة. وهذا قائله قليل وليس بوجيه.
وقال بعض العلماء: لا يُورَثُ عَنْهُ نَصيبُهُ ويَسْتَحِقُّهُ حتى يحوز المسلمون الغنيمة، ويخرجون بها من ديار الحرب إلى بلاد الإسلام، فعند ذلك الوقت يَسْتَقِرُّ مُلْكهم لها، ويورث عنه نصيبه، وُيرْوَى نَحو هذا عن أبي حنيفة رحمه الله.
وأظهر الأقوال: أنه إِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حَازَ المُسْلِمُونَ الغَنِيمَةَ وأخَذُوهَا مِنَ الكُفَّارِ يورث نصيبه عنه، وإن مات قَبْلَ أَنْ تُحَازَ لم يُورَثْ عَنْهُ شَيْء (¬2)؛ لأنه مات قبل أن يحصل شيء يكون ملكاً له حتى يورث عنه، هذا هو الأظهر. هذه أحكام من أحكام الغنيمة.
واعلموا أن العلماء اختلفوا في الغال هل يُحرق رحله أو لا (¬3)؟ فقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على أن الغَالَّ -السارق من الغنيمة- يُحْرَقُ رَحْلُهُ ومَتَاعُهُ، وهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخُلَفَاءِ وغَيْرِهِمْ ربما حرقوا متاع الغالِّ وربما تركوا حَرْقَهُ. وأظْهَر الأقوال في هذه المسالة أنها من التَّعْزِيرَاتِ المالية الموكُولة إلى نظر الإمام إن رأى المصلحة في حَرْقِ مَتَاعِهِ حَرَقَهَ وَلَهُ ذَلك، وإن رأى إِبْقَاءَهُ أَبْقَاهُ،
¬_________
(¬1) انظر: المغني (13/ 91)، الأضواء (2/ 408).
(¬2) انظر: المغني (13/ 91).
(¬3) انظر: القرطبي (4/ 259 - 260)، المغني (13/ 168 - 172) الأضواء (2/ 404).

الصفحة 42