كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)

وإن كان فيه مصحف فإنَّهُ لاَ يَحْرِقُهُ، وقد غلّ رجل في بعض الغزوات فيها بعض المسلمين فحرقوا متاعه ووجدوا فيه مصحفاً فباعوا المصحف وتصدقوا بِثَمَنِهِ (¬1) كذا قال بعضهم، والله أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: الآية 41] قال بعض العلماء (¬2): الخمس ستة أنصباء: نصيب لله، ونصيب للرسول صلى الله عليه وسلم، ونصيب لذي القرابة، ونصيب لليتامى، ونصيب للمساكين، ونصيب لابن السبيل. ومن قال: إنها ستة أنصباء، لم أعلم أحداً اشتهر عنه هذا القول إلا أبا العالية (رحمه الله) فإنه قال: الخمس يُجعل ستة أنصباء، قال: ونَصِيبُ اللهِ هُوَ أنَّهُ إِذا جاء المال يأخذ الإمام ويملأ يده منه ويجعلها في رِتَاج (¬3) الكعبة. فعنده: نصيب الله يُصرف في مصالح الكعبة. وهذا القول لا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لأنه لا دليل عليه. والتحقيق -إن شاء الله- الذي عليه جماهير العلماء: أن نصيب الله ونصيب الرسول صلى الله عليه وسلم واحد، وأن اسم الله ذُكر للاستفتاح والتعظيم لشأنه (جل وعلا) (¬4)؛ لأن كل شيء له جل وعلا {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: الآية 91] فنصيب الله هو نصيب الرسول صلى الله عليه وسلم،
¬_________
(¬1) أخرجه سعيد بن منصور (2/ 269)، والدارمي (2/ 149)، وأبو داود في الجهاد، باب في توبة الغال، حديث رقم: (2696) (7/ 381)، والترمذي في الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، حديث رقم: (1461) (4/ 61).
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 550)، القرطبي (8/ 10)، الأضواء (2/ 357).
(¬3) قال في المصباح المنير: «والرِّتاج -بالكسر-: الباب العظيم، والباب المغلق أيضاً. وجعل فلان ماله في رتاج الكعبة، أي: نَذَرَهُ هَدْياً. وليس المراد نفس الباب» اهـ (المصباح المنير: مادة: رَتَجَ) ص83.
(¬4) انظر: ابن جرير (13/ 548)، الأضواء (2/ 358).

الصفحة 43