كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

قال بعض الأدباء: الفقر سالب للعقل والمروءة، مذهبة للعلم والأدب، معدن للتهم، جامع للمكاره، لأن صاحبه لا يجد بداً من اطراح الحياء، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره مقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن ذهب عقله، واستنكر حفظه وفهمه، وكان الأمر عليه لا له.
قال عتبة لأهل مصر: قد طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح، وظبات السيوف، حتى صرنا شجىً في لهاتكم ما تسيغه حلوقكم، وقذى في عيونكم ما تطرف عليه جفونكم، فحين اشتدت عرى الحق عليكم عقدا، وانحلت عرى الباطل حلاً، أرجفتم بموت الخليفة، وأردتم توهين الخلافة، وخضتم الحق إلى الباطل، وأبعد عهدكم حديث به، فأريحوا أنفسكم إذ خبرتم دنياكم وآخرتكم، واعلموا أن لنا سلطاناً على أبدانكم دون قلوبكم، فأصلحوا لنا ما ظهر نكفكم ما بطن، وأبدوا خيراً وإن أسررتم شراً، وبالله نستعين.
وقال أيضاً عتبة: يا أهل مصر، لا مبرأ من الذنب، ولا عتق من الرب، وقد تقدمت مني إليكم عقوبات قد كنت أرجو الأجر يومئذ فيها، وأنا أخاف اليوم الوزر علي منها، فليتني لا أكون أصلحت دنياي بفساد

الصفحة 170