كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

يسجد لما غلبت إرادة إبليس إرادة الله جل سلطانه، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأحب أن يأكل منها، ولو لم يحب أن يأكل منها لما غلبت محبة آدم محبة الله تعالى.
هكذا أصبت هذا الجزء وهو حق، فإذا سرك الاتساع فيه فتصفح الكتاب حتى ترى شواهده وتجد دلائله، وتعلم أن الله سبحانه أنشأ العبد ثم تولاه ولم يخله من يده، وأن العبد يتصرف بين علمه وإرادته وأمره ونهيه في ظاهر تكليفه، وطرفاهما بين الحالتين يلتقيان، وكلتاهما مستويتان، واعلم أن الخلق ظهر منه وثبت به، وانقلب إليه، أعني أنه أبدأه وأنشأه في الأول، وهو إذاه وأنماه في الثاني، وهو قبضة ورقاه في الثالث باستطاعته، واستبد بقدرته، وانفرد بحوله وقوته، واستغنى عن موجده وحاظفه، وإنما ركدت الشبهة على قوم من جهة أنهم تخطوا الأمر والنهي وهما أس التكليف، وأوجبوا التمكين والتخيير، وظنوا أن هذا القدر يفصل الحال بيننا وبين الله عز وجل فلا نؤتى إلا من قبلنا، ولا نلام إلا على فعلنا. واعلم أن الإنسان مطلق في صورة مقيد، ومختار في هيئة مضطر، ومرسل في حلية ممنوع، يبين لك ذلك أنه ينقض حاله نقضاً، ويقيس متوسطة على طرفيه، فإنه يدلك بالعبرة الواضحة والعبارة المفصحة، انه ما فعل فعلاً باختيار حمداً أو ذماً الإوقع إليه ما سبق اختيارة من خزاطره ودواعيه ما استحق به استحق به عذراً وتسليماً، لكنه عن طرق العلم والإرادة محجوب، وبلسان الأمر والنهي محجوج، ومتى حاول ذلك الخروج عما أريد به حاول عسيراً، ومتى احتج عن نفسه بما علم منه احتج جاهلاً، فليس

الصفحة 211