كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

الأماني بتوقع الأماني من النفوس صارت النفوس كلها لا تمنع منها، ولا تخلو من الذهاب معها.
والنفس الحية الحاسة لا يجوز أن تبقى فارغة ممسكة عن جميع الأفعال، فتكون هي والموتى سواء، ومتى لم يحضر للقلب عزم على أمر معروف أو منكر في حاجة قائمة، عاجلة وآجلة، فلا بد للقلب من أن ينصرف إلى عمل من الأعمال، وليس بعد الاعتزال إلا المنى، فقد صارت الأمنية من أكبر الآفات، وأثبت الأركان، وليس في طاقة القلب أن يكون أبداً محتملاً لوحشة الفكر وثقل الاعتبار، وللنظر في ملكوت السموات والأرض، ولكل يوم أجل، ولكل استطاعة غاية فأطلق المباح، وألزم الفرض، وخير في النفل وأرغب فيه ولم يفرضه، وأعطى عليه الثواب ولم يوجبه، وركب الدنيا على الصميمين والفصلين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أمزح ولا أقول إلا الحق، وقال: قد جئتكم بالحنيفية السمحة غير القاسية ولا الغالية، وأمرت بالإفطار والصوم والصلاة والنوم، ولو حمل الناس أنفسهم على حد الجد في كل حال ومر الحق في كل مذهب، لا نحلت القوى، وانتقضت المنن، ولذلك قالوا: دين الله بين الغالي والمقصر، وقالوا: خير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة، وقالوا: بينهما يرمي الرامي، وقالوا في المثل: لا تكن حلوا فتبلع، ولا مراً فتلفظ، ولولا أن النفس مكدودة متعبة ومعناة نصبة من حين لا يعرف، ومن ضربان عرق لا يفتر، واختلاج عصب لا يسكن، ومعالجة القلب الهموم، ومدافعة الطباع الأغذية، وطلب الاستمرار من تنفس الرئة

الصفحة 222