كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

إذا ما كان عندي قوت يوم ... ألا فعلي بالدنيا هوان
كأن القوم قد مسخوا كلاباً ... لهم عن كل مكرمة حران
فدعني لا تعرضني لقوم ... فقد بينت لو نفع البيان
ولي شأن طويت عليه همي ... وكل فتى له هم وشان
قال الجاحظ: قلت مرة للحرامي: قد رضيت بقول الناس إنك بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الاسم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فإذا سلم لي مالي فادعني بأي اسم شئت، قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد، وجمع ذلك الاسم المال والذم، قال: بينهما فرق، قلت: هاته، قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه، واسم البخيل اسم فيه حزم وذم، واسم الصخاء فيه تضييع وحمد، والمال نافع ومكرم لأهله معز، والحمد ريح وسخرية، واستماعه ضعف وفسولة، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جلده، وضاع عياله وشمت عدوه.
قيل لجعفر بن يحيى: ما البلاغة؟ قال: أن يكون للكلام حد لا يدخل فيه غيره، قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل قول علي رضي الله عنه: أين من سعى واجتهد، وجمع عدد، وزخرف ونجد، وبنى وشيد؛ فأتبع كل حرف من جنسه، ولم يقل سعى ونجد، وزخرف وعدد، وول قال زخرف وعدد لكان كلاماً، ولكن بينهما ما بين السماء والأرض.

الصفحة 224