كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

ليس بمطرج على خالق هذا السمع والسامع والمسموع، لأنه لا يتلبس بما خلق ولا يتم بما نقص، والكلام في هذا أعرف مما طال الخوض، وهذا التخريج والتعريف إنما هو كله ليقوي منتك، وتقف على عين العلم همتك، وتطلق من غل الجهل رقبتك، فانظر كيف تكون لنفسك، فإني قد أعذرت وانذرت، وقلت ونقلت، وقومت وعدلت، وبلغت غاية مثلي في الاجتهاد، فالحق نهاية مثلك في حسن الارتياد، ولا تشغل بالك ببعض ما قصرت ودللت على نقصي به، فإن ذلك يستردفك عن حظك، ويسوي بينك وبين من هو أنقص منك، ولكن خذ نفسك بحسن هذا الكتاب ودع قبيحه، ليس عليك تبعته، والسلام.
فأما النائف فهي في ناف على الشيء وأناف إذا أشرف عليه، ومنه مناف في بني عبد مناف.
وأما الطائف فهو الخيال، وهو الذي يطوف بالبيت، بيت الله الحرام، وطاف الخيال يطيف، هكذا السماع، وأطاف يطاف إذا برز للغائط، ويقال: قد يبس طوفه في جوفه، ويقال للطائف الذي هو الخيال الطيف أيضاً، والطيف مه دليل على يطيف. فأما أطاف فلان به فمعناه صار طائفاً به كأنه أطاف أمره، وطاف هو فاعل الأمر، بتعدية الألف؛ والطف مكان بالعراق معروف، والطائف بلد وراء مكة، وكان الحجاج منه.
وأما الآيف فكأنه من الآفة، يقال: إيفت الشجرة الأرض فهما مؤوفتان، وإياك أن تقول ما يقول المتكلمون مأووف فإنه مردود، وليس للمتكلمين حجة في اللسان فضلاً عن أن يكونوا حجة في المعاني، لأن حقيقة المعاني لا تثبت إلا بحقائق الألفاظ، وإذا تحرفت المعاني فذلك لتزيف الألفاظ فالألفاظ متلاحمة متواشجة متناسجة، فما ثلم هذه فقد أجحف بهذه، وما نقص من هذه فسد من هذه، وليس الشأن على أن يفهم من أعجمي طمطمته فإن ذلك المفهوم لم يكن عن تمام اللفظ وصحة التأليف، وإنما

الصفحة 89