كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 5)

بعد ذلك عني، وثقل حجابه علي، فأف له ولأضرابه، فما شين الدنيا والدين إلا بقوم هذا منهم؛ رزقنا الله الأدب الذي به نعلم ما نقول، وإليه نفزع فيما نعمل، وكفانا شر كل ذي شر بمنه. فاعذر - أيدك الله - في هذا التصرف كله، وكن من إخوان الصدق يزدك الله به شرفاً إن شاء الله.
كان أبو داود السجستاني ثقة محدثاً راوية، زعموا أنه في أيام حداثته وزمان طلبته للحديث وكتابته، جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة؟ فالتفت إليه أبو داود فقال: لا، فانخزل الرجل حياء، وأقبل عليه أبو داود وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فسمي أبو داود منذ ذلك اليوم حكيماً.
وأنشد المنسرح
أختان إحداهما إذا انتحبت ... تبكي كباك بعبرة حرى
وما بها علة ولا سقم ... تضحك مها الأخية الأخرى
يقال إن الشاعر أراد بهما السماء والأرض، ويقال إن ثعلباً أنشدهما.
قال الحسن بن عثمان القنطري: دفنت كتبي وأقبلت على العبادة والتشمير والاجتهاد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه صعد المنبر، وأشار بيده وفيها أقلام محشوة طيباً ومسكاً، فجعل يناول أقواماً قلماً قلماً، فلما تقدمت ووقفت بين يديه وقلت: يا رسول الله ناولني قلماً،

الصفحة 98