كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 5)

تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأرْضُ، فَمَا هِيَ التَّي أعْرِفُ، فَلَبِثْنَا على ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فأمَّا صَاحِبَايَ فاسْتَكَانَا وقَعدا في بُيُوتِهِما يَبْكِيَانِ، وأمَّا أنا فَكُنْتُ أشَبَّ القَوْمِ وأجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وَأطوفُ في الأسْوَاقِ، ولا يُكَلمُنِي أحدٌ، وآتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ في مَجْلسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأقولُ في نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ عَلَيَّ أمْ لا؟ ثُمَّ أصَلي قَرِيباً مِنْهُ، فَأسَارِقُهُ النَّظر، فَإِذَا أقْبَلْتُ عَلَى صَلَاِتي أقبَلَ إِلَيَّ، وَإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ من جَفوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَورْتُ جِدَارَ حَائِطِ أبي قُتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وأحبُّ النَّاسِ إِليَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْتُ: يا أبا قَتَادَةَ أنشُدُكَ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُنِي أَُحبُّ الله وَرَسُولَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غفرت لكم" " فيهما أسوة " أي لي فيهما قدوة صالحة وأسوة حسنة " فمضيت حين ذكروهما لي " أي فلم سمعت بهما قررت الاستمرار فيما أنا عليه من الالتزام بالصدق " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة " برفع الثلاثة على أنها خبر لأي، والمعنى فمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عن التكلم معنا نحن الثلاثة المذكورون " فاجتنبنا الناس " أي قاطعونا وهجرونا " حتى تنكرت في نفسي الأرض " أي حتى تغير في عيني كل شيء على هذه الأرض " فأمّا صاحبي فاستكانا " أي اعتزلا في دارهما " وأما أنا فكنت أشبَ القوم " أي أصغرهم سِنَّاً " وأجلدهم " أي أقواهم جسماً " فكنت أخرج فأشهد الصلاة " أي صلاة الجماعة " فأسلّم عليه " أي على النبي - صلى الله عليه وسلم - " فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه يرد السلام عليَّ أم لا؟ " أي أشك في كونه رد السلام أو لم يرده " فأسارقه النظر " أي أنظر إليه خفية "فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ وإذا

الصفحة 13