كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 5)

إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فلما جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ مِنْ تَوبَتي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلى اللهِ وإلى رَسُولِ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الذي بِخَيْبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِّي بِالصِّدْقِ، وِإنَّ مِنْ تَوْبَتي أن لا أحَدِّثَ إلَّا صِدْقاً مَا بَقِيتُ، فَواللهِ ما أعْلَمُ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ أبلاهُ اللهُ في صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسُولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - أحسَنَ مِمَّا أبلانِي، ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى يَوْمِي هَذَا كَذِباً، وَإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فيما بَقِيتُ، وأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ -إِلى قَوْلِهِ- وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي أبشر يا كعب بخير يوم مرَّ عليك في حياتك كلها " قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله " لعله أراد هل أنزل الله تعالى في توبته عَليَّ قرآناً يتلى أم لا؟ فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله أنزل في توبته عليه وعلى صاحبيه قرآناً "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار" أي ظهر السرور على محيّاه فأضاء وجهه الشريف إضاءة القمر المنير " قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي " أي أن أتصدق بكل مالي في سبيل الله " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمسك عليك بعض مالك " أي تصدق بالبعض فقط، وأبق عندك شيئاً من مالك لكي تنفق به على نفسك وعيالك، " فقلت: يا رسول الله إن الله نجَّاني بالصدق " أي بسبب أني صدقت القول معك واعترفت لَكَ أن لا عذر لي " فوالله ما أعلم أحداً من السلمين أبلاه الله في صدق الحديث " أي لا أعلم أحداً اختبره الله في الصدق

الصفحة 18