كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 5)

السمك فيه، وابتلاهم بأن ألهم السمك أن يجتمع كله في هذا اليوم، فلا يرى الماء من كثرته، فإذا مضى تفرق السمك، ولزم قعر البحر، فوسوس الشيطان لبعضهم بأنهم إنما نهوا عن أخذه يوم السبت، ولم ينهوا عن أخذه في غيره، ولو بالحيلة، فحفروا في جانب البحر حفرة كبيرة وجعلوا لها أنهاراً من البحر، فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار فيقبل الموج بالحيتان إلى الحفرة، فيقع فيها، ولا يقدر على الخروج منها لعمقها، فإذا كان يوم الأحد أخذوه فأهلكهم الله ومسخهم قردة وخنازير " فإذا نقيكم عن شيء فاجتنبوه " أي فإذا منعتكم عن شيء فلا تفعلوه، وابتعدوا عنه كله. إذ الامتثال لا يحصل إلا بترك الجميع. " وإذا أمرتكم بأمر " أي وإذا طلبت منكم فعل شيء " فأتوا منه ما استطعتم " أي فافعلوا منه ما قدرتم عليه على قدر طاقتكم واستطاعتكم وجوباً في الواجب وندباً في المندوب.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قال ابن علان استفيد منه تحريم الاختلاف وكثرة الأسئلة من غير ضرورة لأنه توعد عليه بالهلاك والوعيد على الشيء دليل تحريمه وعلى كونه كبيرة. قال أهل العلم: والاختلاف المذموم ما يؤدي إلى كفرٍ أو بدعة وأما الاختلاف في الفروع والأحكام والمسائل الفقهية فإنه غير منهي عنه، وقد اختلف الصحابة في الأحكام وأجمع المسلمون على جوازه ومشروعيته. وإنما كان الاختلاف المؤدّي إلى البدعة مذموماً لأنه يؤدّي إلى الزيغ والضلال، وتنافر المسلمين، وظهور الفتن، ونشوب المعارك الدامية، كما وقع في الأمة الإِسلامية من حروب بسبب الخوارج وغيرهم من الفرق الضالة والله أعلم. ثانياًً: وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتمسك بسنته، والعمل بأقواله وأفعاله وتقريراته والوقوف عندها أمراً ونهياً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " قال الدكتور عزت عطية: وفي آيات كثيرة يربط الله تعالى بين طاعته سبحانه وطاعة رسوله،

الصفحة 367