كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 5)
السَّماواتِ
. وقرأ ابن كثير وحده: «يوحى» بالياء وفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول، وهي قراءة مجاهد، والتقدير: يوحى إليك القرآن يوحيه الله، وكما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومه قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ [النور: ٣٦] .
وقوله تعالى: وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ يريد من الأنبياء الذين نزلت عليهم الكتب.
وقوله تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ أي الملك والخلق والاختراع. و: الْعَلِيُّ من علو القدر والسلطان. و: الْعَظِيمُ كذلك، وليس بعلو مسافة ولا عظم جرم، تعالى الله عن ذلك وقرأ نافع والكسائي: «يكاد» بالياء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة وأبو عمرو وعاصم: «تكاد» بالتاء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي ونافع وابن عباس وأبو جعفر وشيبة وقتادة: «يتفطرون» من التفطر، وهو مطاوع فطرت. وقرأ أبو عمرو وعاصم والحسن والأعرج وأبو رجاء والجحدري: «ينفطرون» من الإفطار وهو مطاوع فطر، والمعنى فيهما: يتصدعن ويتشققن من سرعة جريهن خضوعا وخشية من سلطان الله تعالى وتعظيما له وطاعة، وما وقع للمفسرين هنا من ذكر الثقل ونحوه مردود، لأن الله تعالى لا يوصف به.
وقوله: مِنْ فَوْقِهِنَّ أي من أعلاهن. وقال الأخفش علي بن سليمان: الضمير للكفار.
قال القاضي أبو محمد: المعنى من فوق الفرق والجماعات الملحدة التي من أجل أقوالها تكاد السماوات يتفطرن، فهذه الآية على هذا كالآية التي في: كهيعص [مريم: ١] . وقالت فرقة معناه: من فوق الأرضين، إذ قد جرى ذكر الأرض، وذكر الزجاج أنه قرىء «يتفطرن ممن فوقهن» .
وقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قيل معناه: يقولون سبحان الله، وقيل معناه: يصلون لربهم.
وقوله تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ قالت فرقة: هذا منسوخ بقوله تعالى: في آية أخرى:
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: ٧] وهذا قول ضعيف، لأن النسخ في الإخبار لا يتصور. وقال السدي ما معناه: إن ظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص في المؤمن، فكأنه قال: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين، إذ الكفار عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وقالت فرقة: بل هي على عمومها، لكن استغفار الملائكة ليس بطلب غفران الله تعالى للكفرة على أن يبقوا كفرة، وإنما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدي إلى الغفران لهم، وكأن الملائكة تقول: اللهم اهد أهل الأرض واغفر لهم. ويؤيد هذا التأويل تأكيده صفة الغفران والرحمة لنفسه بالاستفتاح، وذلك قوله: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي لما كان الاستغفار لجميع من في الأرض يبعد أن يجاب، رجا عز وجل بأن استفتح الكلام تهيئة لنفس السامع فقال: أَلا إِنَّ اللَّهَ هو الذي يطلب هذا منه، إذ هذه أوصافه، وهو أهل المغفرة:
قوله عز وجل: