كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 5)
نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ لَوْلَا مَا يَزَعُهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ» .
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَفِي صِحَّةِ رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ زَامِلَتَيْهِ اللَّتَيْنِ وَجَدَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنْبَأَنَا ابْنُ حَاضِرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ «تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ مَا نَقْرَؤُهَا إِلَّا حَمِئَةٍ، فَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ تَقْرَؤُهَا؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ كَمَا قَرَأَتْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ فِي بَيْتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ؟ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ سَلْ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ بِهَا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ قال ابن حاضر: لو أني عندك أَفَدْتُكَ بِكَلَامٍ تَزْدَادُ فِيهِ بَصِيرَةً فِي حَمِئَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِذًا مَا هُوَ؟ قُلْتُ: فِيمَا يُؤْثَرُ مِنْ قَوْلِ تُبَّعٍ فِيمَا ذَكَرَ بِهِ ذَا الْقَرْنَيْنِ فِي تَخَلُّقِهِ بِالْعِلْمِ وَاتِّبَاعِهِ إياه: [الكامل]
بَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ يَبْتَغِي ... أَسْبَابَ أَمْرٍ مِنْ حَكِيمٍ مُرْشِدِ «2»
فَرَأَى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
فقال ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا الْخُلُبُ؟ قُلْتُ: الطِّينُ بِكَلَامِهِمْ، قال: فما الثَّاطُ؟ قُلْتُ: الْحَمْأَةُ، قَالَ: فَمَا الْحَرْمَدُ؟ قُلْتُ: الْأَسْوَدُ، قَالَ: فَدَعَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا أَوْ غُلَامًا فَقَالَ: اكْتُبْ مَا يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بَيْنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فَقَرَأَ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قال: كَعْبٌ وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَقْرَؤُهَا كَمَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ غَيْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّا نَجِدُهَا فِي التَّوْرَاةِ تَغْرُبُ فِي مَدَرَةٍ سَوْدَاءَ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ حَدَّثْنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قَالَ مَدِينَةٌ لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ لَوْلَا أَصْوَاتُ أَهْلِهَا لَسَمِعَ النَّاسُ وُجُوبَ الشَّمْسِ حِينَ تَجِبُ، وَقَوْلُهُ: وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً أَيْ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ ذَكَرُوا أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّةً عَظِيمَةً مِنْ بَنِي آدَمَ.
وقوله: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً مَعْنَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
__________
(1) المسند 2/ 207
(2) البيتان لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص 26، وفيه «سيد» بدل «مرشد» ، والبيت الأول في لسان العرب (ثأط) ، وتاج العروس (ثأط) ، والبيت الثاني، في لسان العرب (حرمد) ، (ثأط) ، ومقاييس اللغة 1/ 154، وتهذيب اللغة 7/ 418، وتاج العروس (أوب) ، (حرمد) ، (ثأط) ، والبيت الثاني لتبعّ في تاج العروس (خلب) ، ولسان العرب (أوب) ، (خلب) ، (حرمد) ، وكتاب العين 4/ 270، 8/ 417، وتهذيب اللغة 5/ 330، 14/ 5، 15/ 607، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 398، وجمهرة اللغة ص 114.
الصفحة 173