كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي مُمْسِكٌ بِحَجْزِكُمْ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النار، وتغلبونني وَتُقَاحِمُونَ فِيهَا تَقَاحُمَ الْفَرَاشَ وَالْجَنَادِبِ، فَأُوشِكُ أَنْ أُرْسِلَ حَجْزَكُمْ وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَتَرِدُونَ عَلَيَّ مَعًا وَأَشْتَاتًا أَعْرِفُكُمْ بِسِيمَاكُمْ وَأَسْمَائِكُمْ، كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الْغَرِيبَ مِنَ الْإِبِلِ فِي إِبِلِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأُنَاشِدُ فِيكُمْ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَيْ رَبِّ قَوْمِي أَيْ رَبِّ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ بَعْدَكَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ.
فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لك من الله شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ، وَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ بَعِيرَا لَهُ رُغَاءٌ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ، وَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهَا حَمْحَمَةٌ فَيُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ، وَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ سِقَاءً مِنْ أُدْمٍ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ إِلَّا أَنَّ حَفْصَ بْنَ حُمَيْدٍ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمَ رَوَى عَنْهُ غَيْرَ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ الْقَمِّيِّ (قُلْتُ) بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ أَيْ لَعَادِلُونَ جَائِرُونَ مُنْحَرِفُونَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: نَكَبَ فَلَانٌ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا زَاغَ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ غلظهم في كفرهم بأنه لو أزاح عنهم الضر وَأَفْهَمَهُمُ الْقُرْآنَ لَمَا انْقَادُوا لَهُ وَلَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الْأَنْفَالِ: 23] وَقَالَ: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ- إلى قوله- بِمَبْعُوثِينَ [الْأَنْعَامِ: 27- 29] فَهَذَا مِنْ بَابِ عِلْمِهِ تَعَالَى بما لا يكون ولو كان كيف يكون، قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا فِيهِ لَوْ فَهُوَ مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَدًا.

الصفحة 423