كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

أَحْمَدُ «1» أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد عن مصعب بن زهير به أطول من هذا وتفرد بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ آمُرُكَ أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ وَتَسْبِيحُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ إِسْنَادُهُ فِيهِ ضعف، فإن الأودي ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قَالَ الْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ وَالشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ- الْأُسْطُوَانَةُ- السَّارِيَةُ وقال بعض السلف: صَرِيرَ الْبَابِ تَسْبِيحُهُ وَخَرِيرَ الْمَاءِ تَسْبِيحُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَقَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الطَّعَامُ يُسَبِّحُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ آية السجدة في الْحَجِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا يُسَبِّحُ مَا كَانَ فيه روح، يعنون من حيوان ونبات.
قال قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قال: كل شيء فيه روح يُسَبِّحُ مِنْ شَجَرٍ أَوْ شَيْءٍ فِيهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قَالَا: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ وَزَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَ كُنَّا مَعَ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَمَعَهُ الْحَسَنُ فِي طَعَامٍ، فَقَدَّمُوا الْخِوَانَ، فَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، يُسَبِّحُ هَذَا الْخِوَانُ؟ فَقَالَ: كَانَ يُسَبِّحُ مَرَّةً.
قُلْتُ: الْخِوَانُ هُوَ الْمَائِدَةُ مِنَ الْخَشَبِ- فَكَأَنَّ الْحَسَنَ رَحِمَهُ اللَّهُ، ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَيًّا فِيهِ خُضْرَةٌ كَانَ يُسَبِّحُ، فَلَمَّا قُطِعَ وَصَارَ خَشَبَةً يَابِسَةً انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُ، وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مر بقبرين فقال «إنهما لعذبان وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يستنزه مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» «4» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا قَالَ مَا لَمْ يَيْبَسَا لِأَنَّهُمَا يُسَبِّحَانِ مَا دَامَ فِيهِمَا خُضْرَةٌ، فَإِذَا يَبِسَا انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
(1) المسند 2/ 169، 170.
(2) تفسير الطبري 8/ 84.
(3) تفسير الطبري 8/ 84، 85. [.....]
(4) أخرجه بلفظ «يستنزه من البول» مسلم في الطهارة حديث 111، وأخرجه بلفظ «يستتر من بوله» البخاري في الوضوء باب 55، والجنائز باب 81، وأخرجه بلفظ «يستبرئ من بوله» البخاري في الوضوء باب

الصفحة 74