كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَنَكَتَ فِي ظَهْرِهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَةِ وَفِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْآخَرِ فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتِ الْأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدِي إلى السماء لنلتها فدلى بسبب وهبط إلى النُّورُ فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي فَأَوْحَى إِلَيَّ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا وَإِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَنْ تَوَاضَعْ قَالَ قُلْتُ لَا بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا.
قُلْتُ: وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا وَاقِعَةٌ غَيْرُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَا الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ فَهِيَ كَائِنَةٌ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قتادة عن أنس أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ربه عز وجل، وهذا غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بالبراق فكأنها حركت ذَنَبَهَا، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ مَهْ يَا بُرَاقُ فو الله ما رَكِبَكَ مِثْلُهُ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَقَالَ:
«مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ فَسَارَ مَا شَاءَ الله أن يسير فإذا شيء يدعوه منتحيا عن الطريق فقال هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يسير، قال فلقيه خلق من خلق الله فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ [يَا أَوَّلُ] ، السَّلَامُ عَلَيْكَ [يَا آخِرُ] ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ارْدُدِ السَّلَامَ يَا مُحَمَّدُ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ، حَتَّى انْتَهَى إلى بيت المقدس فعرض عليه الخمر والماء وَاللَّبَنَ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَلَغَوَتْ أُمَّتُكَ، ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الليلة. ثم قاله لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كما بَقِيَ مِنْ عُمْرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ. وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ فَذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ وَغَرَابَةٌ.
[طَرِيقٌ أُخْرَى] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَفِيهَا غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ جَدًّا وَهِيَ فِي سنن النسائي والمجتبى «2» ولم أرها في الكبير قال: حدثنا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدٌ هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِيَ جبريل عليه
__________
(1) تفسير الطبري 8/ 7.
(2) كتاب الصلاة باب 1.

الصفحة 9