كتاب لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ

بزاوية الإمام الشافعي -رضي الله عنه- بجامع عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من مصر نحوا من ثلاثين سنة مع المنازعة فيها فاستمرت معه، وتولى قضاء دمشق عوضا عن التاج السبكي فقدمها على البريد بكرة نهار الأحد ثامن عشري شهر رجب سنة تسع وستين فصلى بالناس الظهر بجامع بني أمية وتوجه منها إلى العادلية ومعه الناس فلما كان صبح يوم الاثنين لبس الخلعة ومضى إلى جامع بني أمية فقُرئ تقليده بالمقصورة ورجع إلى العادلية فقضى فيها بين الناس وفي أول يوم من شعبان درس وفي ثالثه يوم الجمعة خطب بجامع بني أمية وصلى إمامًا الجمعة وفي سادسه يوم الاثنين حضر دار الحديث الأشرفية فتكلم في عدة فنون بعبارة فصيحة بليغة كلاما مفيدا محررا كثيرا بصوت عال عجيب وأسلوب غريب بحيث إنه أبهر من معه من فضلاء المصريين والشاميين مما سمعوا منه ومن جودة إيراده وإصداره مع تودد وتأدب حسن فلم ينازعه واحد منهم في منطوق ولا مفهوم وأقروا له بالتقدم في العلوم، ودمشق إذ ذاك غاصة بالأئمة الفضلاء، واستمر على قضائها إلى أن طلب إلى الديار المصرية فتوجه إليها في عامه يوم الاثنين التاسع من ذي القعدة ومعه جمع ممن شنع على التاج السبكي ليحاققوه عند السلطان ثم كر راجعا إلى دمشق فقدمها في أول يوم من صفر سنة سبعين.
وقدم التاج السبكي وقد تولى خطابة الجامع وعدة تداريس فأنف البلقيني من ذلك وتوجه في عاشر الشهر على البريد إلى القاهرة فصرف عن قضاء دمشق في سابع عشر ربيع الثاني بالتاج السبكي وتولى بجامع ابن طولون تدريس المالكية والتفسير وكذا المدرسة الظاهرية البرقوقية لما فتحت وغير ذلك لما كان في شعبان سنة ثلاث وسبعين تولى قضاء العساكر بحكم وفاة البهاء السبكي ثم تركه لولده بدر الدين محمد1 في شعبان سنة تسع وسبعين وذلك أن الأمير طشتمر الدوادار عينه لولاية القضاء بالديار المصرية بعد قتل الملك الأشرف شعبان ولم يبق إلا أن يلبس فبذل بدر الدين بن أبي البقاء مالًا وتولى فأنف البلقيني من الجلوس تحته لحداثة سنه وأقبل على الإفتاء والتدريس وعمل الميعاد فعظم عند الخاصة العامة بذلك قدره وبعد صيته وانتشر في الآفاق ذكره بحيث إن السلطان لم يكن يعقد مجلسا إلا به ويقتدي برأيه وإشارته ودارت عليه الفتوى بحيث إنها كانت تأتيه من أقطار الأرض البعيدة وكان موفقا فيها يجلس للكتابة عليها من بعد صلاة العصر إلى الغروب من رأس القلم2 غالبا إلى أن صار يضرب به المثل في العلم ولا تركن النفس إلا إلى فتواه
__________
1 وهو بدر الدين أبو اليمن محمد أكبر أولاد السراج البلقيني وقد توفي في حياة أبيه في سنة 791 عن 35 سنة. "الطهطاوي".
2 يعني من حفظه بلا احتياج إلى مراجعة كتاب.

الصفحة 137