كتاب لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ

الاستحضار وأنه طبقة وحده يفوق جميع العلماء الكائنين في زمانه بل إن بعضهم يفضله على بعض من تقدمه من الشافعية وقد وصفه بالتفرد قديما محمد بن عبد الرحمن العثماني قاضي صفد في طبقاته فقال: هو شيخ الوقت وإمامه وحجته انتهت إليه. شيخ الفقه في وقته وعلمه كالبحر الزاخر ولسانه أحجم الأوائل والأواخر. وقد مات العثماني قبله بعدة أعوام، ومع سعة علمه لم يرزق ملكة في التأليف.
قال شيخنا الحافظ برهان الدين الحلبي: اجتمعت به في رحلتي الأولى إلى القاهرة في سنة ثمانين فرأيته إماما لا يجاري أكثر الناس استحضارا لكل ما يلقي من العلوم وقد حضرت عنده عدة دروس مع جماعة من أرباب المذاهب الأربعة فيتكلم على الحديث الواحد من بعد طلوع الشمس وربما أذن الظهر في الغالب وهو لم يفرغ من الكلام عليه ويفيد فوائد جليلة لأرباب كل مذهب خصوصا المالكية وكان بعض فضلائهم يقرأ عليه في مختصر مسلم للقرطبي وممن كان يحضر عنده الإمام نور الدين بن الجلال1 وكان أفقه أهل القاهرة يومئذ في مذهب مالك وكان يستفيد منه وكذا جمع سواه من أرباب المذاهب الأربعة واستفدت منه فوائد جمة في التفسير والحديث والفقه والأصول وعلقت من فوائده أشياء وهو أجل من أخذت عنه العلم وسمعت عليه الحديث وكان بي حفيًّا. انتهى. حدث بالكثير من مروياته.
والذي وجد من مؤلفاته: قطعة على البخاري بلغ فيها إلى أثناء كتاب الإيمان أطال النفس فيه جدا جاء في مجلد فلو قدر إكماله لبلغ مائتي مجلد لكنه لا يسلم من تكرير وشرحان على الترمذي أحدهما صناعة والآخر فقه و"ترتيب كتاب الأم" وليس فيه كبير أمر لم يتعب عليه و"محاسن الإصلاح وتضمين علوم الحديث لابن الصلاح" وليس هو على قدر رتبته في العلم و"الفوائد المحضة على الرافعي والروضة" كتب منه كثيرا ولم يوجد منه متواليا غير مجلدين وتصحيح على الربع الأخير من المنهاج في خمس مجلدات توسع فيه جدا وأطال النفس وكان من حقه أن يكون شرحا فلما فرغ منه شرع في الربع الثالث وكتب عليه مجلدا واحدا واختصر اللباب للمحاملي بلغ فيه إلى النفقات وزاد عليه استدراك ضوابط وتصحيح مسائل فجاء الربع الثاني منه قدر الأول مرتين ولو كمل الثالث لكان قدر الأولين.
وله تصانيف عدة لطاف نحو من عشرين منها "فتح الله تعالى بما لديه في بيان المدعي والمدعى عليه" و"الفتح الموهب في الحكم بالصحة والموجب" و"إظهار المستند في تعدد الجمعة في البلد" و"طي العبير لنشر الضمير" و"الجواب الوجيه في تزويج الوصي السفيه".
__________
1 وهو قاضي المالكية نور الدين علي بن الجلال يوسف الدميري القاهري المتقدم ذكره. "الطهطاوي".

الصفحة 140