كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وقيل: إنه -عليه الصلاة والسلام- كتب هذه الآية: يعني {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} قبل نزولها، فوافق لفظه لفظها لما نزلت؛ لأن هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران، وكانت قصتهم سنة.
__________
لأن وزر الآثم لا يتحمله عليه، ولكن الفاعل المتسبب، والمتلبس للسيئات يتحمل من وجهين؛ جهة فعله وجهة تسببه.
قال الخطابي: المراد: أن عليه إثم الضعفاء، والأتباع إذ لم يسلموا تقليدا له؛ لأن الأصاغر أتباع الأكابر.
وقال الأزهري: الأريس بالتخفيف والتشديد الأكابر لغة شامية، وكان أهل السواد أهل فلاحة، وكانوا مجوسا، وأهل الروم أهل صناعة، فأعلموا بأنهم، وإن كانوا أهل كتاب، فإن عليهم من الإثم إن لم يؤمنوا مثل إثم المجوس, انتهى.
وحكى غيره أن الأريسين ينسبون إلى عبد الله بن أريس، رجل كانت النصارى تعظمه، ابتدع في دينهم أشياء مخالفة لدين عيسى، وقيل: إنه من قوم بعث إليهم نبي فقتلوه، والتقدير على هذا: فإن عليك مثل إثم الأريسين.
وذكر ابن حزم أن أتباع عبد الله بن أريس كانوا أهل مملكة هرقل، ورده بعضهم بأنهم كانوا قليلا وما كانوا يظهرون، وكانوا ينكرون التثليث، وما أظن قول ابن حزم إلا عن أصل، فإنه لا يجازف في النقل انتهى، من فتح الباري في موضعين, وفيه زيادات حسان تركتها خوف الإطالة، وأيضا لما قدمته عنه أن الصحيح تفسيره بالفلاحين؛ لوروده في رواية أخرى كذلك، وبلفظ الأكارين، وهو بمعناه.
قال النووي: نبه بهم على بقية الرعية؛ لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادا.
قال الحافظ: ومراده أنه نبه بذكر طائفة من الطوائف على بقية الطوائف، كأن يقول: إذا امتنعت، فإن عليك إثم كل ممتنع بامتناعك، وكأن يطيع لو أطعت كالفلاحين، فلا يرد تعقب شيخنا البلقيني بأن من الرعايا غير الفلاحين من له قوة وعشيرة، فلا يلزم من دخول الفلاحين دخول بقية الرعايا حتى صح أنه نبه بذكرهم على الباقين.
نعم, قول أبي عبيدة: ليس المراد بالفلاحين الزارعين فقط، بل جميع أهل المملكة إن أراد على ما قررت به كلام النووي فمسلم وإلا فمعترض، "وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام كتب هذه الآية، يعني: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} قبل نزولها، فوافق لفظه لفظها لما نزلت"، كما نزل بموافقة عمر في الحجاب، وأسرى بدر, وعدم الصلاة على المنافقين, وغير ذلك، "لأن هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران" بفتح النون وسكون الجيم: بلد قريب من اليمن، "وكانت قصتهم" وستأتي "سنة

الصفحة 10