كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

الوفود سنة تسع، وقصة أبي سفيان هذه كانت قبل ذلك سنة ست. وقيل: نزلت في اليهود، وجوز بعضهم نزولها مرتين، وهو بعيد والله أعلم.
ولما قرئ كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم.
__________
الوفود سنة تسع"، كما جزم به ابن سعد وغيره، "وقصة أبي سفيان هذه كانت قبل ذلك سنة ست" كما علم، وقيل: بل نزلت سابقة في أوائل الهجرة، وإليه يومئ كلام ابن إسحاق هكذا في الفتح قبل قوله: "وقيل: نزلت في اليهود"، فالقول الثالث عين مراد الثاني؛ ولذا قال: "وجوز بعضهم نزولها مرتين" مرة في أوائل الهجرة، وأخرى في سنة تسع, "وهو بعيد"؛ لأن الأصل عدم تكرار النزول، "والله أعلم" بما في نفس الأمر.
وهذا كلام الحافظ في الفتح، وقال ابن كثير: هذه القصة كانت بعد الحديبية وقبل الفتح، كما صرح به في هذا الحديث.
وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها, نزلت في وفد نجران.
وقال الزهري: هم أول من بذل الجزية, ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح، فما الجمع بين كتابة هذه الآية إلى هرقل، وبين ما ذكره ابن إسحاق والزهري، أجيب بأن قدوم وفد نجران كان قبل الفتح وبعد الحديبية. وما بذلوه كان مصالحة على المباهلة لا عن الجزية، ووافق نزول الجزية بعد ذلك على وفقه، وباحتمال تعدد النزول، واحتمال كتبها قبل نزولها, انتهى.
"ولما قرئ كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم" بالبناء للمفعول، وعند الواقدي من مرسل محمد بن كعب القرظي، فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية، فقرأه.
وعند البخاري في بدء الوحي والتفسير: ثم دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأه، فظاهره أن هرقل هو الذي قرأه إلا أن تكون نسبة قراءته إليه مجازا لكونه الأمر به، والقارئ الترجمان، وللبخاري في الجهاد ما ظاهره أن قراءة الكتاب وقعت مرتين، ففي أوله، فلما جاء قيصر كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين قرأه: التمسوا لي ههنا أحدا من قوه لأسألهم عنه، فذكر القصة إلى أن قال: ثم دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرئ.
قال في الفتح: والذي يظهر لي أن هرقل قرأه بنفسه أولا، ثم لما جمع قومه وأحضر أبا سفيان ومن معه، وسأله وأجابه, أمر بقراءة الكتاب على الجمع، ويحتمل أن المراد بقوله: أو لا حين قرأه، أي عنوانه؛ لأنه كان مختوما بختمه: محمد رسول الله، ولذا قال: إنه يسأل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، ويؤيده أن من جملة الأسئلة قول هرقل: بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان:

الصفحة 11